أخرى أصيلة قد تطورت داخليًّا وتلقائيًّا في القطر الذي وجدت به المظاهر الحضارية التي يفترض أنها منقولة إليه1، وكل ما يمكن قوله بأنه لا يمكن تأكيد أسبقية أحد أقطار إقليم الشرق الأدنى إلى ثورة الدور الحجري الحديث بصفة قاطعة؛ فكلها تنعم بمناخ ملائم وكانت تسكنها شعوب من أصل واحد أو من أجناس متشابهة, ومن المعروف جغرافيًّا أن البيئات المتشابهة التي تسكنها أجناس متشابهة تنتج حضارات متشابهة.
وكان من الطبيعي أن يتجه إنسان الدور الحجري الحديث إلى تحسين إنتاجه, وأن يبحث عما يهيئ له شيئًا من الرفاهية واقتصاد بعض الجهد في عمله، وسواء كان توصله إلى استخدام المعادن قد حدث عن طريق الصدفة البحتة أو عن طريق التجربة؛ فإنه أخذ يستغلها في أغراضه وانتقل إلى دور بدء استخدام المعادن. وكان استقراره في القرى لا شك داعيًا إلى تشابك مصالحه مع غيره وتعقد علاقاته الإنسانية؛ فاضطرته الحاجة إلى إيجاد وسيلة يتذكر بها بعض ما يتعلق بشئونه وبعلاقاته مع الآخرين خشية أن تخونه الذاكرة، وعلى هذا حاول تدوين ذلك برسم أو نقش يصور به ما يريد أن يتذكره بقدر الإمكان فابتدع الكتابة التصويرية التي يكاد يكون وقت التوصل إليها واحدًا في كل من العراق ومصر؛ مما دعا الظن بأنها من اختراع جنس جديد دخل إلى كل منهما في نفس الوقت؛ إلا أنه لا شك في خطأ هذا الرأي نظرًا لأن هذه الكتابة لم توجد في أي قطر آخر في تاريخ أسبق لحدوثها في هذين القطرين -وقد بدأ العصر التاريخي في كل منهما بعد فترة وجيزة من التوصل للكتابة- أو قبلها بقليل.