3- سهولة اتصال أجزاء هذا الإقليم فيما بينها؛ لعدم وجود فواصل طبيعية مانعة تحول دون ذلك؛ حيث أتيحت لها فرصة الاحتكاك بعضها بالبعض, فانتشرت مظاهر حضارية مختلفة فيما بين دجلة والبحر المتوسط1، ووصلت بعض العناصر الحضارية إلى وسط آسيا الصغرى من مواطن لا يقل بعدها عن 300 ميل تقريبًا2، كما جلب أهل حضارة سيالك في إيران أنواعًا من الأصداف من أماكن تبعد عنهم نحو 600 ميل تقريبًا, إلى غير ذلك من المظاهر التي تدل على نشاط احتكاك أهل المناطق المختلفة في هذا الإقليم بعضهم بالبعض الآخر.
4- بالرغم من وجود التشابه بين البيئات في أحواض الأنهار التي تجرى في هذا الإقليم؛ فإن كلًّا من أقطاره تميز بأنواع معينة من الموارد التي لا تتوافر في بقية أقطار هذا الإقليم؛ مما أدى إلى تشابك مصالحها ودعم الاتصال فيما بينها، والواقع أن هذا الإقليم في مجموعه وجدت به كل الاحتياجات الضرورية لنشأة الحضارة وتطورها، وكانت كل دولة تحصل على ما تريد من موارد طبيعية لدى الدول الأخرى عن طريق التجارة أو عن طريق الحرب إن وجدت لديها القوة الكافية لذلك.
وكثيرًا ما يذهب الباحثون إلى أن قطرًا من بين أقطار إقليم الشرق الأدنى كان أسبق من غيره في الوصول إلى ثورة حضارية معينة وخاصة تلك التي حدثت ابتداءً من عصره الحجري الحديث أو إلى مقدمات العصر التاريخي, ويستندون في ذلك إلى احتمال انتقال بعض المظاهر الحضارية من هذا الجزء إلى غيره من أجزاء هذا الإقليم، وكثر الجدل حول أسبقية كل من العراق ومصر في هذا المضمار؛ إلا أن انتقال بعض المظاهر الحضارية -بفرض ثبوته- لا يكفى لتأكيد أسبقية القطر الذي انتقلت منه إلى القطر الآخر ما دامت هناك عناصر حضارية