وإذا كان في مقدورنا الآن أن نؤرخ الأحداث حسب وقت حدوثها بالنسبة لحادث مهم له أثره في الحياة البشرية مثل ميلاد المسيح وهجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث اتخذ كل منهما أساسًا للتأريخ، فإن الأمر لم يكن كذلك في العالم القديم؛ إذ اتخذ سكان بلاد النهرين من كل حادثة مهمة أساسًا يؤرخون به ما حدث في سنتها أو السنوات اللاحقة لحدوثها, وبالطبع اختلفت هذه الأسس باختلاف المدن ثم جعلوا من حكم كل ملك تقويمًا مستقلًّا أو أطلقوا على السنين أسماء كبار رجال الدولة الذين عاشوا فيها واتخذوها أساسا يؤرخون بالنسبة له، أما المصريون القدماء فقد جعلوا من حكم كل فرعون تأريخًا تنسب إليه أحداث عهده.

وقد توصل معظم أهل الحضارات القديمة إلى التوقيت وتقسيم الزمن بصورة أو بأخرى؛ إذ عرف أهل العراق الشهور القمرية وكانوا يضبطون تقويمهم بإضافة بضعة أشهر كل عدة سنوات1, أما المصريون فقد عرفوا السنة على أساس 365 يومًا أي بفارق 1/ 4 يوم في السنة عن تقويمنا الحالي، وعلى هذا لا تكاد تعترض المؤرخ صعوبة في تأريخ الأحداث التي أشارت إليها الوثائق والنصوص القديمة إذا ما أمكن ربطها بعهد ملك من الملوك؛ حيث أصبح في الإمكان تأريخ حكم معظم ملوك الشرق الأدنى القديم وتقدير عمر كل مرحلة تاريخية في أى قطر من الأقطار بتتبع قوائم الملوك الذين حكموا فيه وتسلسلهم ومدة بقاء كل منهم على عرش بلاده إذا ما توفرت لدينا وثائق ونصوص تشير إلى ذلك، أما إذا أردنا تأريخ أحداث ترتبط بحلقات مفقودة في قوائم الملوك وتسلسلهم ووجدت لها آثار لا تعززها وثائق مكتوبة من ذلك القطر؛ فإن المؤرخ يستعين بمعاصرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015