وأنه خاتم الأنبياء وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين وحبيب رب العالمين, وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى, وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى بالحق والهدى، وبالنور والضياء, وأن القرآن كلام الله, منه بدأ بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً, وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً, وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة, ليس بمخلوق ككلام البرية , فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر، فقد كفر, وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر، حيث قال تعالى: (سأصليه سقر) , فلما أوعد الله بسقر لمن قال: (إن هذا إلا قول البشر) , علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر, ولا يشبه قول البشر, ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر، فقد كفر, فمن أبصر هذا اعتبر, وعن مثل قول الكفار انزجر, وعلم أنه بصفاته ليس كالبشر, والرؤية حق لأهل الجنة، بغير إحاطة ولا كيفية, كما نطق به كتاب ربنا: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة) , وتفسيره على ما أراده الله تعالى وعلمه, وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو كما قال , ومعناه على ما أراد, لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا , فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم, وردَّ علم ما اشتبه عليه إلى عالمه, ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام, فمن رام علم ما حظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة، وصحيح الإيمان, فيتذبذب بين الكفر والإيمان، والتصديق والتكذيب، والإقرار والإنكار, موسوساً تائهاً، شاكاً، لا مؤمناً مصدقاً، ولا جاحداً مكذباً, ولا يصح الإيمان بالرؤية لأهل دار السلام لمن اعتبرها منهم بوهم أو تأولها بفهم, إذ كان تأويل الرؤية وتأويل كل معنى يضاف إلى الربوبية بترك التأويل ولزوم التسليم, وعليه دين المسلمين , ومن لم يتوق النفي والتشبيه، زل ولم يصب التنزيه, فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية, منعوت بنعوت الفردانية. ليس في معناه أحد من البرية , وهو فوق العالم ومحيطٌ به, والمعراج حق، وقد أُسري بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم, وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء , ثم إلى حيث شاء الله من العلا وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى (ما كذب الفؤاد ما رأى) , فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى, والحوض الذي أكرمه الله تعالى به –غياثاً لأمته- حق, والشفاعة التي ادخرها لهم حق، كما رُوي في الأخبار, والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق, وقد علم الله تعالى فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة، وعدد من يدخل النار جملة واحدة، فلا يزداد في ذلك العدد، ولا ينقص منه, وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه , وكل ميسرٌ لما خُلق له , والأعمال بالخواتيم , والسعيد من سعد بعلم الله قضاؤه، والشقي من شقي بعلم الله وقضاؤه , وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه, لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل, والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان, فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسة, فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه , ونهاهم عن مرامه لا يُسأل عما يفعل لكمال حكمته لا لقهره وهم يسألون. فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب, ومن رد حكم الكتاب كان من