قدر مكتوب، كما قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. {الحديد:22}.

ونحن نأخذ بالأسباب مع التوكل على الله؛ لأن ذلك هو واجبنا، فأما ما جرت به المقادير مما هو مكتوب لنا فهذا غيب لا نعلمه إلا بعد وقوعه، وعندها يجب الصبر على القضاء، وهو ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَل"َ.

وأما وجود العوائق فلا يعني بالضرورة أن هذا علامة من الله بعدم محبة إتمام الأمر، بل قد يكون للامتحان , والمعيار في معرفة ما يُحب الله وما يكره هو معرفة شرعه وحدود ما أنزل على رسوله الكريم وعليك بالتوكل على الله والسعي وتسليم الأمر إلى الله، فإذا لم يحدث هذا الأمر لك فحينها تعلم أنه ليس مُقدراً لك حصوله.

- السؤال السابع: هل هنالك تعارض بين إحساس العبد بالتقصير وحسن ظنه

بربه حين يتوكل عليه؟

لا منافاة بين إحساس العبد بالتقصير وحسن ظنه بربه حين يتوكل عليه وليس ثم إشكال أصلا حتى يُطلب رفعه، فإن التوكل على الله والثقة به تحصل لمن كمل إيمانه وتصديقه بما أخبر الله به، وأنه يكفي من توكل عليه ويكون حسب من التجأ إليه، وبقدر كمال العلم بأسماء الرب عزوجل الحسنى وصفاته العلا تكون ثقته بربه تبارك وتعالى.

فمن علم وأيقن أن الله تعالى أرحم بعبده من الأم بولدها، وعلم أنه تعالى هو الغني الحميد الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه تعالى هو الأعلم بمصالح العبد، وأنه هو القادر على سوقها إليه أقبل بقلبه على ربه ولم يكن له تعلق بسواه، وكان حسن الظن به واثقا بما في يده تعالى، وإن كان يعلم من نفسه التقصير والتفريط والعجز، فالتوكل على الله والوثوق به ينبعث في القلب من مطالعة أسماء الرب عز وجل وصفاته، فمن كان بالله وصفاته أعلم كان توكله أتم وأكمل , يقول ابن القيم ـرحمه الله: وإذا تجلى بصفات الكفاية والحسب , والقيام بمصالح العباد, وسوق أرزاقهم إليهم, ودفع المصائب عنهم ونصره لأوليائه, وحمايته لهم, ومعيته الخاصة لهم, انبعثت من العبد قوة ليتوكل عليه, والتفويض إليه والرضا به في كل ما يُجريه على عبده, ويقيمه فيه مما يرضى به هو سبحانه، والتوكل معنى يلتئم من علم العبد بكفاية الله, وحسن اختياره لعبده, وثقته به, ورضاه بما يفعله ويختاره له. انتهى.

وليس بين هذا وبين شعور العبد بالتقصير والتفريط تنافٍ ألبتة, فإن العبد يسير إلى الله تعالى بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل , بل إن افتقار العبد لله وشعوره بالذل والانكسار واستحضاره أنه لا حول له ولا قوة من دون الله وأنه لا يملك لنفسه شيئا وافتقاره إلى الله تعالى في جلب مصالحه ودفع المضار عنه من أعظم الأسباب الجالبة لكفاية الرب تعالى لعبده وجبره كسره وإقالة عثرته,

طور بواسطة نورين ميديا © 2015