فالواجب على المسلم أن يعتقد أن الله تعالى فوق خلقه مستو على عرشه، وعرشه فوق سماواته، وأنه بائن من خلقه جل وعلا، فهو العلي الأعلى، فوق جميع مخلوقاته سبحانه وتعالى وتقدس. وهذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل القرون المفضلة.
قال الله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى {الأعلى:1}، وقال الله تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {النحل:50}.
وأما الأرض فهي حبة في فلاة بالنسبة لملكوت الله تعالى وهو سبحانه فوق ذلك كله، وله الفوقية المطلقة. فلا وجه لذلك الإشكال ولا يقبل بحال.
والله تعالى لا يُقارن بمخلوقاته، فهو فوقها جميعاً، وفوقيته ليست كفوقية الأشياء فيما بينها، وقد أثبتها لنفسه وإذا كان ذهن الإنسان أضعف من أن يدرك هذه الفوقية، ولا يمكن أن يتصورها في المخلوقات التي بين يديه، فليعلم أن الله على كل شيء قدير، وليُسلِّم بما أخبر الله به، ويترك الخوض فيما لا يستطيع الوصول إلى كُنهه.
وأما عن مسألة الإحاطة فالله تعالى بكل شيء محيط كما هو منصوص في القرآن، وقد أحاط بخلقه علماً وقدرة، وليس معنى ذلك أنه تحتهم وفوقهم.
ففي تفسير القرطبي: قال الخطابي: هو الذي أحاطت قدرته بجميع خلقه، وهو الذي أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا ... اهـ
وفي تفسير ابن جزي: بكل شيء محيط أي بعلمه وقدرته وسلطانه. اهـ.
وأما عن معنى الظاهر والباطن فقد فسر معنى الاسمين حديث أبو هريرة رضي الله عنه وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء) رواه مسلم.
فالظاهر فسره بالظهور بمعنى العلو، والله تعالى عال على كل شيء، وفسره بعضهم بالظهور، بمعنى البروز: فهو الذي ظهر للعقول بحججه وبراهين وجوده وأدلة وحدانيته فهو الظاهر بالدلائل الدالة عليه، وأفعاله المؤدية إلى العلم به ومعرفته فهو ظاهر مدرك بالعقول والدلائل، وأما الباطن فمعناه القريب؛ كما في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو عند النوم: اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك