وهكذا يتيسر نسف كل دليل شرعي، ولو كان قرآنا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إما بتحريفه وتزييفه، أو بتأويله وتعطيله، وإما بتحميله ما لا يحتمل ولزومه ما لا يلزم من اللوازم الباطلة.

قال الدكتور محمد أمان في كتاب (الصفات الإلهية): خلاصة شبهتهم أنهم تصوروا - خطأ - أن النصوص التي نطقت بأن الله في السماء تدل بظاهرها على أنه تعالى مظروف في جوف السماء فشبهوه بمخلوق داخل مخلوق آخر، كما فهموا - خطأ - أيضاً من قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}. وما في معناه من النصوص أنه تعالى جالس على العرش، وأنه محتاج إليه، فشبهوه بإنسان جالس على سريره، محتاجاً إليه، فأرادوا أن يفروا من هذا التشبيه الذي وقعوا فيه لسوء فهمهم، فوقعوا في التعطيل. اهـ.

وعلى أية حال فالتشبيه الممنوع هو نحو قول القائل: يد كيد، أو: يد كأيدينا. كما سبق عن الإمام أحمد، وأما قول: يد ليست كأيدنا. فليس فيها شيء محظور، بل هي الموافقة للتنزيل، حيث يجمع بين الإثبات والتنزيه، كقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. {الشورى: 11}.

قال الإمام الترمذي في سننه: قال إسحاق بن إبراهيم يعني ابن راهويه: إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد، أو مثل يد، أو سمع كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع أو مثل سمع، فهذا التشبيه. وأما إذا قال كما قال الله تعالى: يد وسمع وبصر، ولا يقول كيف، ولا يقول مثل سمع، ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيها، وهو كما قال الله تعالى في كتابه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. {الشورى: 11}. اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: التشبيه الممتنع إنما هو مشابهة الخالق للمخلوق في شيء من خصائص المخلوق، أو أن يماثله في شيء من صفات الخالق. فإن الرب تعالى منزه عن أن يوصف بشيء من خصائص المخلوق، أو أن يكون له مماثل في شيء من صفات كماله، وكذلك يمتنع أن يشاركه غيره في شيء من أموره بوجه من الوجوه. اهـ.

وقال الهروي في منازل السائرين في بيان درجة معرفة الصفات والنعوت: هي على ثلاثة أركان، أحدها: إثبات الصفة باسمها من غير تشبيه، ونفي التشبيه عنها من غير تعطيل، والإياس من إدراك كنهها وابتغاء تأويلها. اهـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015