قال الشيخ: فيه البيان الواضح أن قول من زعم من أهل الكلام أن الخمر إنما هو عصير العنب النيء الشديد منه وإن ما عدا ذلك فليس بخمر باطل.
وفيه دليل على فساد قول من زعم أن لا خمر إلاّ من العنب والزبيب والتمر ألا ترى أن عمر ضي الله عنه أخبر أن الخمر حرمت يوم حرمت وهي تتخذ من الحنطة والشعير والعسل كما أخبر أنها كانت تتخذ من العنب والتمر وكانوا يسمونها كلها خمراً، ثم ألحق عمر رضي الله عنه بها كل ما خامر العقل من شراب وجعله خمراً إذ كان في معناها لملابسته العقل ومخامرته إياه، وفيه إثبات القياس والحاق حكم الشيء بنظيره.
وفيه دليل على جواز إحداث الاسم للشيء من طريق الاشتقاق بعد أن لم يكن.
قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من العنب خمراً وإن من التمر خمراً وإن من العسل خمراً وإن من البر خمراً وإن من الشعير خمراً.
قال الشيخ: فيه تصريح من النبي صلى الله عليه وسلم بما قال عمر رضي الله عنه وأخبر عنه في الحديث الأول من كون الخمر عن هذه الأشياء، وليس معناه أن الخمر لا يكون إلاّ من هذه الخمسة بأعيانها وإنما جرى ذكرها خصوصاً لكونها معهودة في ذلك الزمان فكل ما كان في معناها من ذرة وسلت ولب ثمرة وعصارة شجرة فحكمه حكمها كما قلناه في الربا ورددنا إلى الأشياء الأربعة المذكورة في الخبر كل ما كان في معناها من غير المذكور فيه.