ثالثًا: أن المباح بالنسبة للسابقين المقربين لا يستوي فعله وتركه، بل المباحات عندهم طاعات؛ لأنهم يستعينون بها على طاعة الله، ولديهم حُسْن القصد، أما غير المقربين - كما هو حال المقتصدين - فالمباح عندهم لا يمدح ولا يذم.
فصح أن يقال: إن المباح مأمور به؛ يعني: بالنسبة للمقربين، فهم مأمورون إما بفعله أو تركه (?) .
الكلام على هذه المسألة يمكن ضبطه في أربع نقاط:
أ- الأصل في الأشياء بعد مجيء الرسل وورود الشرع الإباحة (?) .
والأدلة على ذلك كثيرة منها:
قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] .
وقول ابن عباس رضي الله عنهما: "وما سكت عنه فهو مما عفا عنه" (?) .
قال ابن تيمية: "الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى وإلا دخلنا في معنى قوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ} [الشورى: 21] .
والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا} [يونس: 59] (?) .