المسلمين من فيه الكفاية خرج من تخلف عنه من المأثم، ولو ضيعوه معًا خفتُ ألا يخرج واحد منهم مطيق فيه من المأثم، بل لا شك إن شاء الله لقوله: {إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: 39] .
قال: فما معناها؟
قلت: الدلالة عليها: أن تخلفهم عن النفير كافة لا يسعهم، ونفير بعضهم إذا كانت في نفيره كفاية يخرج من تخلف من المأثم إن شاء الله؛ لأنه إذا نفر بعضهم وقع عليهم اسم النفير.
قال: ومثل ماذا سوى الجهاد؟
قلت: الصلاة على الجنازة ودفنها؛ لا يحل تركها ولا يجب على كل من بحضرتها كلهم حضورها ويخرج من تخلف من المأثم من قام بكفايتها....
ولم يزل المسلمون على ما وصفت منذ بعث الله نبيه – فيما بلغنا – إلى اليوم:
يتفقه أقلهم ويشهد الجنائز بعضُهم، ويجاهد ويرد السلام بعضُهم، ويتخلف عن ذلك غيرهم، فيعرفون الفضل لمن قام بالفقه والجهاد وحضور الجنائز ورد السلام ولا يؤثمون من قصر عن ذلك، إذا كان بهذا قائمون بكفايته" (?) .
ومن خلال هذا النقل عن الإمام الشافعي يتبين لنا أن فرض الكفاية يمتاز بما يأتي (?) :
أولاً: أن مقصود الشارع فيه نفس الفعل بقطع النظر عن فاعله.
ثانيًا: أن الإثم يعم كل مطيق إذا لم يقم به أحد.
ثالثًا: أن الإثم يسقط عن المتخلفين إذا قام البعض بالفعل على الوجه المطلوب.
رابعًا: أن الفضل والأجر لمن قام بالفعل على وجهه المطلوب.