العَبْد على دَاعِيَة خلقهَا الله تَعَالَى فِيهِ وعَلى هَذَا التَّقْدِير فَيكون فعل الله تَعَالَى مُوجبا لفعل العَبْد وفاعل السَّبَب فَاعل الْمُسَبّب فأفعال الْعباد مخلوقة لله تَعَالَى ومرادة لَهُ وعَلى هَذَا التَّقْدِير يكون خَالق كل القبائح هُوَ الله تَعَالَى فَكيف يمْتَنع مِنْهُ خلق المعجزة على يَد الْكَاذِب
وَإِن كَانَ الثَّانِي وَهُوَ أَن الْفِعْل لَا يتَوَقَّف على الدَّاعِي فَحِينَئِذٍ يَصح من الله تَعَالَى أَن يخلق هَذِه المعجزة لَا لغَرَض أصلا وَحِينَئِذٍ تخرج المعجزة عَن كَونهَا دَلِيلا على الصدْق
الْمقَام الثَّالِث إِن سلمنَا أَن الله تَعَالَى فعلهَا لأجل تَصْدِيق الْمُدَّعِي فَلم قُلْتُمْ بِأَن كل من صدقه الله تَعَالَى فَهُوَ صَادِق وَهَذَا إِنَّمَا يتم إِذا ثَبت أَن الْكَذِب على الله تَعَالَى محَال فَإِذا نفيتم الْحسن والقبح فِي أَفعَال الله تَعَالَى فَكيف تعرفُون امْتنَاع الْكَذِب عَلَيْهِ تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا
وَاعْلَم أَن الْجَواب عَن الْمقَام الأول مَا بَينا فِي بَاب الصِّفَات أَنه لَا مُؤثر إِلَّا قدرَة الله تَعَالَى وَحِينَئِذٍ تبطل الِاحْتِمَالَات الْعشْرَة الْمَذْكُورَة
والمعتزلة لما قَالُوا بِأَن العَبْد موجد فقد بَطل عَلَيْهِم هَذَا الطَّرِيق
وَعَن الْمقَام الثَّانِي وَالثَّالِث أَنه قد يكون الشَّيْء جَائِزا فِي نَفسه مَعَ أَن الْعلم الضَّرُورِيّ يكون حَاصِلا بِأَنَّهُ لَا يَقع
أَلا ترى أَن حُدُوث شخص فِي هَذِه الْحَالة مَعَ صفة الشيخوخة جَائِز مَعَ أَنا نقطع أَنه لم يُوجد وَإِذا رَأينَا إنْسَانا ثمَّ غبنا عَنهُ ثمَّ رَأَيْنَاهُ ثَانِيًا جَوَّزنَا أَن الله تَعَالَى أعدم الرجل الأول وأوجد ثَانِيًا مثله فِي الصُّورَة والخلقة وَمَعَ هَذَا التجويز نقطع أَنه لم يُوجد هَذَا الْمَعْنى فَكَذَلِك هَهُنَا مَا ذكرتموه من الِاحْتِمَالَات قَائِم إِلَّا أَنه تَعَالَى أودع فِي عقولنا علما ضَرُورِيًّا وَهُوَ أَنا مَتى اعتقدنا أَن هَذِه المعجزات خلقهَا الله تَعَالَى عقيب دَعْوَى هَذَا الْمُدَّعِي فَإنَّا نعلم بِالضَّرُورَةِ أَنه تَعَالَى إِنَّمَا خلقهَا ليدل على تَصْدِيق دَعْوَى ذَلِك الْقَائِل أَلا ترى أَن قوم مُوسَى لما