أما الأول فَهُوَ قَول أهل السّنة فعلى هَذَا التَّقْدِير يمْتَنع أَن يُقَال إِنَّه تَعَالَى يفعل شَيْئا لأجل شَيْء فَكيف يُقَال مَعَ هَذَا الْمَذْهَب إِنَّه فعل المعجزات لأجل التَّصْدِيق

وَأما الثَّانِي وَهُوَ قَول من يَقُول إِنَّه لَا بُد فِي أَفعَال الله تَعَالَى من الدَّوَاعِي فعلى هَذَا قَول كَيفَ عَرَفْتُمْ أَنه لَا دَاعِي لله تَعَالَى إِلَى خلق هَذِه المعجزات إِلَّا تَصْدِيق هَذَا الْمُدَّعِي وَبَيَانه من وُجُوه

أَحدهَا أَن الْعَالم مُحدث فَهَذِهِ الْأُمُور الْمُعْتَادَة قد كَانَت فِي أول حدوثها غير مُعْتَادَة فَلَعَلَّهُ تَعَالَى فعل هَذِه المعجزات لتصير ابْتِدَاء عَادَة

وَالثَّانِي لَعَلَّه بعد تكَرر عَادَة متطاولة لِأَن فلك العروج يتم دورته فِي كل سِتَّة وَثَلَاثِينَ ألف سنة مرّة وَاحِدَة على هَذَا فَتكون عَادَته أَنه يصل إِلَى النقطة الْمعينَة فِي كل سِتَّة وَثَلَاثِينَ ألف سنة مرّة وَاحِدَة فَهَذَا وَإِن كَانَ لَا يحصل إِلَّا فِي هَذِه الْمدَّة الطَّوِيلَة إِلَّا أَنه عَادَة

وَالثَّالِث لَعَلَّه تَعَالَى خلق هَذَا المعجز معْجزَة لنَبِيّ آخر فِي طرف من أَطْرَاف الْعَالم أَو كَرَامَة لوَلِيّ أَو معْجزَة لملك من الْمَلَائِكَة فِي السَّمَوَات أَو معْجزَة أَو كَرَامَة لوَاحِد من الْخلق الساكنين فِي الْهَوَاء أَو فِي الْبحار وكل ذَلِك مُحْتَمل

الرَّابِع لَعَلَّه تَعَالَى أظهر هَذِه المعجزة على هَذَا الْمُدَّعِي مَعَ كَونه كَاذِبًا حَتَّى تشتد الشُّبْهَة وتقوي البلية ثمَّ إِن الْمُكَلف إِن احْتَرز عَنهُ مَعَ قُوَّة الشُّبْهَة فَإِنَّهُ يسْتَحق الثَّوَاب الْعَظِيم وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي حسن إِنْزَال المتشابهات فَثَبت أَن على كل هَذِه التقديرات لَا تدل المعجزة على صدق الْمُدَّعِي

ثمَّ إِنَّا نختم هَذَا الْفَصْل بسؤال آخر فَنَقُول الْفِعْل إِمَّا أَن يتَوَقَّف على الدَّاعِي أَو لَا يتَوَقَّف فَإِن كَانَ الأول فَحِينَئِذٍ يتَوَقَّف صُدُور الْفِعْل من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015