وَذَلِكَ معْجزَة قاهرة لِأَن ظُهُور مثل هَذَا الْكتاب على مثل ذَلِك الْإِنْسَان الْخَالِي عَن الْبَحْث والطلب والمطالعة والتعلم لَا يُمكن إِلَّا بإرشاد الله تَعَالَى ووحيه وإلهامه وَالْعلم بِهِ ضَرُورِيّ وَهَذَا هُوَ المُرَاد من قَوْله تَعَالَى {وَإِن كُنْتُم فِي ريب مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا فَأتوا بِسُورَة من مثله} أَي من مثل مُحَمَّد فِي عدم الْقِرَاءَة والمطالعة وَعدم الاستفادة من الْعلمَاء وَهَذَا وَجه قوي وبرهان قَاطع
الْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تحدى الْعَالمين بِالْقُرْآنِ فَهَذَا الْقُرْآن لَا يَخْلُو أَنه إِمَّا أَن يكون قد بلغ إِلَى حد الإعجاز أَو مَا كَانَ كَذَلِك فَإِن كَانَ بَالغا إِلَى حد الإعجاز فقد حصل الْمَقْصُود وَإِن قُلْنَا إِنَّه مَا كَانَ بَالغا إِلَى حد الإعجاز فَحِينَئِذٍ كَانَت معارضته مُمكنَة وَمَعَ الْقُدْرَة على الْمُعَارضَة وَحُصُول مَا يُوجب الرَّغْبَة فِي الْإِتْيَان بالمعارضة يكون ترك الْمُعَارضَة من خوارق الْعَادَات فَيكون معجزا فَثَبت ظُهُور المعجزة على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على كل وَاحِد من التَّقْدِيرَيْنِ
الْوَجْه الثَّالِث أَنه نقل عَنهُ معجزات كَثِيرَة وكل وَاحِد مِنْهَا وَإِن كَانَ مرويا بطرِيق الْآحَاد إِلَّا أَنه لَا بُد وَأَن يكون بَعْضهَا يَصح لِأَن الْأَخْبَار إِذا كثرت فَإِنَّهُ يمْتَنع فِي الْعَادة أَن يكون كلهَا كذبا فَثَبت بِهَذَا الْوُجُوه الثَّلَاثَة أَنه ظَهرت المعجزة عَلَيْهِ
وَأما الْمقَام الثَّانِي وَهُوَ أَن كل من كَانَ كَذَلِك كَانَ نَبيا فالدليل عَلَيْهِ أَن الْملك الْعَظِيم إِذا حضر فِي المحفل الْعَظِيم فَقَامَ وَاحِد وَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس أَنا رَسُول هَذَا الْملك إِلَيْكُم ثمَّ قَالَ أَيهَا الْملك إِن كنت صَادِقا فِي كَلَامي فَخَالف عادتك وقم عَن سريرك
فَإِذا قَامَ ذَلِك الْملك عِنْد سَماع هَذَا الْكَلَام عرف الْحَاضِرُونَ بِالضَّرُورَةِ كَون ذَلِك الْمُدَّعِي صَادِقا فِي دَعْوَاهُ فَكَذَا هَهُنَا هَذَا تَمام الدَّلِيل
وَفِي الْمَسْأَلَة طَرِيق آخر وَذَلِكَ أَنا فِي الطَّرِيق الأول نثبت نبوته بالمعجزات ثمَّ إِذا ثَبت نبوته استدللنا بثبوتها