إِذا عرفت هَذَا فَنَقُول أطبق أهل الْعلم على أَنه يُمكن معرفَة الله تَعَالَى بِالْوَجْهِ الأول وَهل يُمكن مَعْرفَته بِالْوَجْهِ الثَّانِي فِيهِ اخْتِلَاف وَهل يُمكن مَعْرفَته بِالْوَجْهِ الثَّالِث بِمَعْنى أَنه هَل يُمكن أَن يحصل للبشر نوع إِدْرَاك نسبته إِلَى ذَات الله تَعَالَى كنسبة الإبصار إِلَى المبصرات فِي قُوَّة الظُّهُور والجلاء هَذَا هُوَ المُرَاد من قَوْلنَا إِنَّه تصح رُؤْيَة الله تَعَالَى أم لَا
عِنْد هَذَا يظْهر أَن من قَالَ الْعلم الضَّرُورِيّ حَاصِل بامتناعه فَهُوَ جَاهِل مكابر
وَاحْتج الْجُمْهُور من الْأَصْحَاب بِأَن قَالُوا لَا شكّ أَنا نرى الطَّوِيل والعريض وَلَا معنى للطويل والعريض إِلَّا جَوَاهِر متألفة فِي سمت مَخْصُوص وَذَلِكَ يدل على أَن الْجَوَاهِر مرئية وَلَا نزاع أَيْضا أَن الألوان مرئية فَثَبت أَن صِحَة الرُّؤْيَة حكم مُشْتَرك فِيهِ بَين الْجَوَاهِر والأعراض وَالْحكم الْمُشْتَرك فِيهِ لَا بُد لَهُ من عِلّة مُشْتَركَة فِيهَا والمشترك بَين الْجَوْهَر وَالْعرض
إِمَّا الْحُدُوث أَو الْوُجُود والحدوث لَا يصلح للعلية لِأَن الْحُدُوث عبارَة عَن وجود بعد عدم والقيد العدمي لَا يصلح للعلية فَوَجَبَ أَن تكون الْعلَّة هِيَ الْوُجُود وَالله تَعَالَى مَوْجُود فَوَجَبَ القَوْل بِصِحَّة رُؤْيَته
وَهَذَا عِنْدِي ضَعِيف لِأَنَّهُ يُقَال الْجَوْهَر وَالْعرض مخلوقان فصحة المخلوقية حكم مُشْتَرك بَينهمَا فَلَا بُد من عِلّة مُشْتَركَة
والمشترك إِمَّا الْحُدُوث وَإِمَّا الْوُجُود والحدوث بَاطِل بِمَا ذكرتموه فَبَقيَ الْوُجُود فَوَجَبَ أَن يَصح كَونه تَعَالَى مخلوقا وكما أَن هَذَا بَاطِل فَكَذَلِك مَا ذكرتموه بَاطِل
وَأَيْضًا فَإنَّا ندرك باللمس الطَّوِيل والعريض وندرك الْحَرَارَة والبرودة فصحة الملموسية حكم مُشْتَرك ونسوق الْكَلَام إِلَى آخِره حَتَّى يلْزم صِحَة كَونه تَعَالَى ملموسا والتزامه مَدْفُوع فِي بديهة الْعقل
وَالْمُخْتَار عندنَا أَن نقُول الدَّلَائِل السمعية دَالَّة على حُصُول الرُّؤْيَة وشبهات الْمُعْتَزلَة فِي امْتنَاع الرُّؤْيَة بَاطِلَة فَوَجَبَ علينا الْبَقَاء على تِلْكَ الظَّوَاهِر
أما بَيَان الدَّلَائِل السمعية فَمن وُجُوه