وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} 1.
من كل مَا تقدم يَنْبَغِي أَن يكون الأَصْل الثَّالِث الَّذِي يَنْبَغِي على الْآبَاء والمربين أَن يربوا أَبْنَاءَهُم وتلاميذهم عَلَيْهِ "مَنْهَج الْعِبَادَات" فيتعودوا على ممارستها على النَّحْو الَّذِي وضحه الشَّارِع الْكَرِيم وَأَن يكون مُنْذُ نعومة أظفارهم وَبِذَلِك يتربى النشئ على طَاعَة الله، وَالْقِيَام بِحقِّهِ وَالشُّكْر لَهُ، والالتجاء إِلَيْهِ، والثقة بِهِ، والاعتماد عَلَيْهِ، وَالتَّسْلِيم لجنابه فِيمَا يَنُوب ويروع ... ، وَحَتَّى يجد الطُّهْر لروحه، وَالصِّحَّة لجسمه، والتهذيب لخلقه، والإِصلاح لأقواله وأفعاله2.
الأَصْل الرَّابِع: الْآدَاب الاجتماعية:
أدب الله عباده بآداب كَثِيرَة، وَهَذِه الْآدَاب حلية الْمُسلم تزين نَفسه الْبَاطِنَة، وأفعاله الظَّاهِرَة.
و"الْأَدَب اسْتِعْمَال مَا يحمد قولا وفعلا، وَعبر بَعضهم عَنهُ بِأَنَّهُ الْأَخْذ بمكارم الْأَخْلَاق ... وَالْأَدب مَأْخُوذ من المأدبة وَهِي الدعْوَة إِلَى الطَّعَام، سمي بذلك لِأَنَّهُ يَدعِي إِلَيْهِ"3.
وترتبط الْآدَاب بالعقيدة الإسلامية ارتباطاً وثيقاً، ذَلِك أَن العقيدة هِيَ الَّتِي تحفز الإِنسان نَحْو السلوك الطّيب، وَأَن انْتِفَاء العقيدة عِنْده سيقود إِلَى كل الِاحْتِمَالَات السلبية والتفكك والانحراف، وَبِنَاء على ذَلِك فَإِن الْآدَاب الإسلامية هِيَ وليدة العقيدة الَّتِي تَسْتَقِر فِي قلب الْإِنْسَان، وَهِي الْعَامِل المحرك الْمُؤثر وَبِدُون ذَلِك لَا مكانة للآداب بِغَيْر عقيدة. وَلِهَذَا تنْقَلب الْآدَاب إِلَى نتائج عكسية تتمثل فِي السلوك الذميم كالرذائل وَالْفَوَاحِش مثلا، ذَلِك إِذا لم يكن هُنَاكَ عقيدة ثَابِتَة صَحِيحَة تتهذب مَعهَا النَّفس ويتقوم بهَا الاعوجاج.