الَّتِي نَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقَعُ فِي الْحَرَجِ, فَأَمَرَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَجَنُّبِ ذَلِكَ شَفَقَةً مِنْهُ عَلَى أُمَّتِهِ وَرَحْمَةً بِهِمْ وَحَسْمًا لِلْمَادَّةِ وَسَدًّا لِلذَّرِيعَةِ لَا إِثْبَاتًا لِلْعَدْوَى كَمَا يَظُنُّ بَعْضُ الْجَهَلَةِ مِنَ الْأَطِبَّاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي اسْتَشْهَدَ لِصِحَّةِ الْعَدْوَى بِكَوْنِ الْبَعِيرِ الْأَجْرَبِ يَدْخُلُ فِي الْإِبِلِ الصِّحَاحِ فَتُجْرَبُ, فَقَالَ لَهُ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ" يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ابْتَدَأَ الْمَرَضَ فِي الْبَاقِي كَمَا ابْتَدَأَهُ فِي الْأَوَّلِ لَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سَرَيَانِ الْمَرَضِ بِطَبِيعَتِهِ مِنْ جَسَدٍ إِلَى آخَرَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ نَهْيَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمُخَالَطَةِ لِأَنَّهَا مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةَ بِأَنَّهَا تُفْضِي إِلَى مُسَبَّبَاتِهَا لَا اسْتِقْلَالًا بِطَبْعِهَا, وَلَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَ الْأَسْبَابَ وَمُسَبَّبَاتِهَا فَإِنْ شَاءَ تَعَالَى أَبْقَى السَّبَبَ وَأَثَّرَ فِي مُسَبَّبِهِ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ, وَإِنْ شَاءَ سَلَبَ الْأَسْبَابَ قُوَاهَا فَلَا تُؤَثِّرُ شَيْئًا, وَمَنْ قَوِيَ إِيمَانُهُ وَكَمُلَ تَوَكُّلُهُ وَثِقَتُهُ بِاللَّهِ, وَشَاهَدَ مَصِيرَ الْأُمُورِ كُلِّهَا إِلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ وَمُسَبِّبِ الْأَسْبَابِ كَمَا أَنَّ مَصْدَرَهَا مِنْ عِنْدِهِ عَزَّ وَجَلَّ فَنَفْسُهُ أَبِيَّةٌ وَهِمَّتُهُ عَلِيَّةٌ وَقَلْبُهُ مُمْتَلِئٌ بِنُورِ التَّوْحِيدِ فَهُوَ وَاثِقٌ بِخَالِقِ السَّبَبِ لَيْسَ لِقَلْبِهِ إِلَى الْأَسْبَابِ أَدْنَى الْتِفَاتٍ سَوَاءٌ عَلَيْهِ فَعَلَهَا أَوْ لَمْ يَفْعَلْهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ فَوَضَعَهَا مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ وَقَالَ: "كُلْ ثِقَةً بِاللَّهِ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ"1. فَفِي أَمْرِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمُجَانَبَةِ الْمَجْذُومِ إِثْبَاتٌ لِلْأَسْبَابِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي أَكْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهُ تَعْلِيمٌ لَنَا بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ مَالِكُهَا فَلَا تُؤَثِّرُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا يُصِيبُ الْعَبْدَ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ النُّفُوسَ تَسْتَقْذِرُ ذَلِكَ وَتَنْقَبِضُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وَتَشْمَئِزُّ مِنْ مُخَالَطَتِهِ وَتَكْرَهُهُ جِدًّا لَا سِيَّمَا مَعَ مُلَامَسَتِهِ وَشَمِّ رَائِحَتَهُ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ تَأْثِيرٌ بِإِذْنِ