[الرَّحْمَنِ: 29] قَالَ: مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُجِيبَ دَاعِيًا. أَوْ يُعْطِيَ سَائِلًا أَوْ يَفُكَّ عَانَيًا أَوْ يُشْفِيَ سَقِيمًا1, وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ يُجِيبُ دَاعِيًا وَيَكْشِفُ كَرْبًا, وَيُجِيبُ مُضْطَرًّا وَيَغْفِرُ ذَنْبًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا يَسْتَغْنِي عنه أهل السموات وَالْأَرْضِ يُحْيِي حَيًّا وَيُمِيتُ مَيِّتًا, وَيُرَبِّي صَغِيرًا وَيَفُكُّ أَسِيرًا, وَهُوَ مُنْتَهَى حَاجَاتِ الصَّالِحِينَ وَصَرِيخِهِمْ, وَمُنْتَهَى شَكْوَاهُمْ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ فَضْلٍ: هُوَ سَوقُ الْمَقَادِيرِ إِلَى الْمَوَاقِيتِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: كُلَّ يَوْمٍ لَهُ إِلَى الْعَبِيدِ بَرًّ جَدِيدً2.
وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُ الْمُفَسِّرِينَ: مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحْيِيَ وَيُمِيتَ وَيَخْلُقَ وَيَرْزُقَ وَيُعِزَّ قَوْمًا وَيُذِلَّ قَوْمًا وَيَشْفِيَ مَرِيضًا وَيَفُكَّ عَانَيًا وَيُفَرِّجَ مَكْرُوبًا وَيُجِيبَ دَاعِيًا وَيُعْطِيَ سَائِلًا وَيَغْفِرَ ذَنْبًا إِلَى مَا لَا يُحْصَى مِنْ أَفْعَالِهِ وَإِحْدَاثِهِ فِي خَلْقِهِ مَا يَشَاءُ. وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّقْدِيرَ الْيَوْمِيَّ هُوَ تَأْوِيلُ الْمَقْدُورِ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنْفَاذُهُ فِيهِ, فِي الْوَقْتِ الَّذِي سَبَقَ أَنَّهُ يَنَالُهُ فِيهِ, لَا يَتَقَدَّمُهُ وَلَا يَتَأَخَرُهُ, كَمَا أَنَّ فِي الْآخِرَةِ يَأْتِي تَأْوِيلُ الْجَزَاءِ الْمَوْعُودِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ, ولكل نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ. وَلِهَذَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ عَنْهُ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الدَّهْرُ كُلُّهُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَانِ: أَحَدُهُمَا مُدَّةَ أَيَّامِ الدُّنْيَا, وَالْآَخَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, فَالشَّأْنُ الَّذِي هُوَ فِيهِ الْيَوْمَ الَّذِي هُوَ مُدَّةُ الدُّنْيَا الِاخْتِبَارُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ يَعْنِي وَغَيْرِ ذَلِكَ, وَشَأْنُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْجَزَاءُ وَالْحِسَابُ والثواب والعقاب3 ا. هـ.
ثُمَّ هَذَا التَّقْدِيرُ الْيَوْمِيُّ تَفْصِيلٌ مِنَ التَّقْدِيرِ الْحَوْلِيِّ وَالْحَوْلِيُّ تَفْصِيلٌ مِنَ التَّقْدِيرِ الْعُمْرِيِّ عِنْدَ تَخْلِيقِ النُّطْفَةِ, وَالْعُمْرِيُّ تَفْصِيلٌ مِنَ التَّقْدِيرِ الْعُمْرِيِّ الْأَوَّلِ يَوْمَ الْمِيثَاقِ, وَهُوَ تَفْضِيلٌ مِنَ التَّقْدِيرِ الْأَزَلِيِّ الَّذِي خَطَّهُ الْقَلَمُ فِي الْإِمَامِ الْمُبِينِ؛ وَالْإِمَامُ الْمُبِينُ هُوَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَكَذَلِكَ مُنْتَهَى الْمَقَادِيرِ فِي آخِرِيَّتِهَا إِلَى