رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ، أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الْأَعْرَافِ: 44-49] .

الطَّبَقَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْمٌ لَقَوُا اللَّهَ تَعَالَى مُصِرِّينَ عَلَى كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشِ, وَمَعَهُمْ أَصْلُ التَّوْحِيدِ, فَرُجِّحَتْ سَيِّئَاتُهُمْ بِحَسَنَاتِهِمْ, فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ النَّارَ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ, فَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى كَعْبَيْهِ, وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ, وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ, وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حِقْوَيْهِ, وَمِنْهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ, حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُحَرَّمْ مِنْهُ عَلَى النَّارِ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ؛ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ, وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَأْذَنُ اللَّهُ تَعَالَى بِالشَّفَاعَةِ فِيهِمْ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلِغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُكْرِمَهُ, فَيَحِدُّ لَهُمْ حَدًّا فَيُخْرِجُونَهُمْ, ثُمَّ يَحِدُّ لَهُمْ حَدًّا فَيُخْرِجُونَهُمْ, ثُمَّ هَكَذَا فَيُخْرِجُونَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ وَزْنُ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ, ثُمَّ مِنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ نِصْفُ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ, ثُمَّ بُرَّةٌ, ثُمَّ خَرْدَلَةٌ, ثُمَّ ذَرَّةٌ, ثُمَّ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَقُولَ الشُّفَعَاءُ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرَ فِيهَا خَيْرًا. وَيُخْرِجُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ النَّارِ أَقْوَامًا لَا يَعْلَمُ عِدَّتَهُمْ إِلَّا هُوَ بِدُونِ شَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ, وَلَمْ يُخَلَّدْ فِي النَّارِ أَحَدٌ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ؛ وَلَوْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ: وَلَكِنْ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَعْظَمَ إِيمَانًا وَأَخَفَّ ذَنْبًا كَانَ أَخَفَّ عَذَابًا فِي النَّارِ وَأَقَلَّ مُكْثًا فِيهَا وَأَسْرَعَ خُرُوجًا مِنْهَا, وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَضْعَفَ إِيمَانًا وَأَعْظَمَ ذَنْبًا كَانَ بِضِدِّ ذَلِكَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ, وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ لَا تُحْصَى كَثْرَةً, وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْهَا مَا فِيهِ كِفَايَةٌ. وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَوْلِهِ: "مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ نَفَعَتْهُ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ يُصِيبُهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ" 1. وَهَذَا مَقَامٌ ضَلَّتْ فِيهِ الْأَفْهَامُ, وَزَلَّتْ فِيهِ الْأَقْدَامُ, وَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ, وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015