فَإِنَّهُم لَهُم بهم أُسْوَة واقتداء. فهم النُّجُوم فِي ليل السرى، وهم الهداة لطَالب الْهدى وأدلاء، وهم الْأَئِمَّة قدوة الْأمة وعَلى الدّين أُمَنَاء.
وَنحن بِالْمَدِينَةِ وَفِي هَذَا الْجوَار الْكَرِيم أَشد إحساساً بمكانة الْعلم ومنزلة الْعلمَاء، وأسرع فَرحا بهم وَأَشد حزنا على مَوْتهمْ وألماً لفراقهم، إِن فِي موت الْعلمَاء لغربة للغرباء.
وَلَا شكّ أَن هَذِه الآلام تزداد وَهَذَا الْحزن يشْتَد أَكثر وَأكْثر حينما نَكُون قد عرفنَا هَذَا الْعَالم أَو عاصرناه ولمسنا فَضله واستفدنا علمه.
وَهَذَا الْقدر كلنا فِيهِ سَوَاء نَحْو عُلَمَاء الْمُسلمين عَامَّة وَشَيخنَا الْأمين خَاصَّة.
وَإِنِّي كَأحد أبنائه وَمن جملَة تلاميذه أَقف الْيَوْم معزيا متعزياً. ومترجماً مترحماً وَقد عظم الْمُصَاب وَعز فِيهِ العزاء.
وَلَو اسْتحق أحد التَّعْزِيَة لشخصه لاستحقها ثَلَاثَة أشخاص: الشَّيْخ عبد الْعَزِيز بن باز لزمالته 21 سنة وَمَاله عِنْده من منزلَة، وَالشَّيْخ عبد الْعَزِيز بن صَالح أول من عرفه وتسبب فِي جُلُوسه، وَصَاحب السمو الملكي الْأَمِير عبد الله بن عبد الرَّحْمَن لمحبته وَتَقْدِيره.
نعم أَقف معزيا متعزياً مترجماً مترحماً كَمَا قَالَ القَاضِي عِيَاض عَن بعض مشايخه "مَا لكم تأخذون الْعلم عَنَّا وتستفيدون منا، ثمَّ تذكروننا فَلَا تترحمون علينا", إِنَّه ربط أصيل بَين الْعلم والعالم وتنبيه أكيد على أَن الِاعْتِرَاف بِفضل الْعَالم شكر وَتَقْدِير لنَفس الْعلم. رحم الله شَيخنَا رَحْمَة وَاسِعَة ورحم الله عُلَمَاء الْمُسلمين فِي كل زمَان وَمَكَان.
وَقد قَامَ الْخلف بِحَق السّلف فِي حفظ تاريخهم بالترجمة لَهُم خدمَة لتراثهم وإحياء لذكرهم وَمَا أثر عَن السخاوي أَنه قَالَ: "من ورخ مُؤمنا فَكَأَنَّمَا أَحْيَاهُ". أَي من ترْجم لَهُ وأرخه وَهَا هم عُلَمَاء الْأمة يعايشون كل جيل بسيرتهم وتاريخهم فِي أُمَّهَات الْكتب.