معه، والكريم مسامح. وعدنا وعد شرقي.
وعد شرقي؟ أليس عجيباً أن صار اسم «الوعد الشرقي» عَلَماً على الوعود الكاذبة، واسم «الوعد الغربي» عَلَماً على الوعد الصادق؟
من علّم الغربيين هذه الفضائل إلا نحن؟ من أين قَبَسوا هذه الأنوار التي سطعت بها حضارتهم؟ ألم يأخذوها منا؟ من هنا أيام الحروب الصليبية، ومن هناك، من الأندلس، بعد ذلك. وهل في الدنيا دين إلا هذا الدين «الشرقي» يجعل للعبادات موعداً لا تصح العبادة إلا فيه، وإن أخلفه المتعبّد دقيقة واحدة بطلت العبادة؟ إن الصوم شُرع لتقوية البدن وإذاقة الغني مرارة الجوع حتى يشفق على الفقير الجائع، وكل ذلك يتحقق في صوم اثنتي عشرة ساعة واثنتي عشرة ساعة إلا خمس دقائق، فلماذا يبطل الصوم إن أفطر الصائم قبل المغرب بخمس دقائق؟ أليس لتعليمه الدقة والضبط والوفاء بالوعد؟ ولماذا تبطل الصلاة إن صليت قبل الوقت بخمس دقائق؟ والحج؟ لماذا يبطل الحج إن وصل الحاج إلى عرفات بعد يوم الوقفة، أليس لأن الحاج قد أخلف الموعد؟
أوَلم يجعل الإسلام إخلاف الوعد من علامات النفاق، وجعل المخلف ثلث منافق؟ فكيف نرى -بعد هذا كله- كثيرين من المسلمين لا يكادون يفون بموعد، ولا يبالون بمن يخالف لهم وعداً أو يتأخر عنه، حتى صار التقيد بالوعد والتدقيق فيه والحرص عليه نادرة يتحدث بها الناس، ويعجبون بصاحبها ويعجبون منه، وحتى صارت وعودنا مضطربة مترددة لا تعرف الضبط ولا التحديد؟