قضية واحدة، هي الأولى والأخرى، وهي الحق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهي الكتاب المعجِز الذي لا يُفرّط فيه من شيء ولا يعجزه شيء، فيكون المنطق كله هذه القضية: «تحصيل المال واجب»، وفي هذا الأمر تحصيل مال، فهذا الأمر واجب! وضَعْ مكان «هذا الأمر» ما تشاء من أفعال اللؤم والخسّة، والكذب والنُّذولة، والضّعة والفُسُولة، تنتظِم القضية وتستقِم، وتصح وتطَّرد، ولا يبقَ في الدنيا رديء ولا فاسد منكَر ما دام معه المال.
لا يا سيدي! لست أسألك هذه الطريق التي لا أزال أحذّر منها مَن لم يسلكها وأصرف عنها سالكيها. وإن كان السّالكوها هم الكثرة من موظفينا وعلمائنا ومن كل ذي وظيفة أو صاحب صلة بالحكومة، حتى إن الرجل من هؤلاء ليأتي الأمر يعترف أنه مؤذٍ للأمة، منافٍ للفضيلة، مناقضٌ للشرف، فيحتجّ له بأن مصلحته تقتضيه ومعيشته تستلزمه، وأنه رجل (عاوز يعيش ...)، ولا يعيش من لا يساير وينافق ويَذِلّ ويَتزلّف. لا يدري الجاهل أن المعيشة على الصَّعْتَر مع الشرف خير من حياة النعيم والترف من غير فضيلة ولا شرف!
* * *
ومن أنبأك -أعزّك الله (?) - أن الموظف لا يحق له أن يفكر إلاّ بعقل رؤسائه ولا يرى إلاّ بعين أمرائه، فلا يُحِقّ من الآراء ما أبطلوا ولا يقبل ما ردّوا ولا يوقّر ما سفّهوا، ولا يرى ما استقبحوا