لم يكن عندك -يا سيدتي- إلا خمسة أرغفة وصحن «مجدَّرة» (?) تستطيعين أن تعطي رغيفاً لمن ليس له شيء. والذي بقي عنده بعد عشائه ثلاثة صحون من الفاصوليا والرز وشيء من الفاكهة والحلو يستطيع أن يعطي منها قليلاً لصاحبة الأرغفة والمجدّرة. والذي ليس عنده إلا أربعة ثياب مرقعة يعطي ثوباً لمن ليس له شيء، والذي عنده بذلة صالحة لم تخرق ولم ترقع ولكنه ملّ منها، وعنده ثلاث جدد من دونها، يستطيع أن يعطيها لصاحب الثياب المرقعة. ورُبّ ثوب هو في نظرك قديم وعتيق بال، لو أعطيته لغيرك لرآه ثوب العيد ولاتخذه لباس الزينة، وهو يفرح به مثل فرحك أنت لو أن صاحب الملايين ملّ سيارته الشفرولية طراز سنة 1953 - بعدما اشترى كاديلاك طراز 1956 - فأعطاك تلك السيارة.
ومهما كان المرء فقيراً فإنه يستطيع أن يعطي شيئاً لمن هو أفقر منه. إن أصغر موظف لا يتجاوز راتبه مئة وخمسين ليرة، لا يشعر بالحاجة ولا يمسه الفقر إذا تصدق بليرة واحدة على من ليس له شيء، وصاحب الراتب الذي يبلغ أربعمئة ليرة لا يضره أن يدفع منها خمس ليرات ويقول: "هذه لله". والذي يربح عشرة آلاف من التجارة في الشهر يستطيع أن يتصدق بمئتين منها في كل شهر.
ولا تظنوا أن ما تعطونه يذهب بالمجان. لا والله، إنكم تقبضون الثمن أضعافاً؛ تقبضونه في الدنيا قبل الآخرة. ولقد