ولو أردتَ أن تكفي جيرانك من الفقراء لأفقرت نفسك قبل أن تغنيهم.
قلت: لو كنت غنياً لما استطعت أن أغنيهم، فكيف وأنا رجل مستور، يرزقني الله رزق الطير، تغدو خِماصاً وترجع بِطاناً؟
لا. لا أريد أن أغني الفقراء، بل أريد أن أقول إن المسائل نسبية، وأنا بالنسبة إلى أرباب الآلاف المؤلفة فقير، ولكني بالنسبة إلى العامل الذي يعيل عشرة وما له إلا أجرته غني من الأغنياء، وهذا العامل غنيّ بالنسبة إلى الأرملة المفردة التي لا مورد لها ولا مال في يدها، ورَبُّ الآلاف فقير بالنسبة لصاحب الملايين؛ فليس في الدنيا فقير ولا غني فقراً مطلقاً وغِنىً مطلقاً، وليس فيها صغير ولا كبير، ومَن شَكّ فإني أسأله أصعب سؤال يمكن أن يوجَّه إلى إنسان، أسأله عن العصفور: هل هو صغير أم كبير؟ فإن قال صغير. قلت: أقصد نسبته إلى النملة. وإن قال: هو كبير. قلت: أقصد نسبته إلى الفيل.
فالعصفور كبير جداً مع النملة، وصغير جداً مع الفيل. وأنا غني جداً مع الأرملة المفردة الفقيرة التي فقدت المال والعائل، وإن كنت فقيراً جداً مع فلان وفلان من ملوك المال.
* * *
تقولون: إن الطنطاوي يتفلسف اليوم. لا؛ ما أتفلسف ولكن أحب أن أقول لكم -يا أيها السامعون ويا أيها السامعات- إن كل واحد منكم وواحدة يستطيع أن يجد من هو أفقر منه فيعطيه. إذا