فماذا أصنع وكيف أفرّ من هؤلاء الذين يسرقون وقتي؟ آتي المحكمة منذ الصباح لأدقق في دعاوى اليوم فيدخل عليّ صديق ثقيل، لا يمنعه إغلاق الباب ولا بكور الوقت، فأحاول صرفه بالحسنى فأحادثه حتى أظن أني قد قمت بحقه وأنه قد سكت فأنصرف إلى عملي، فلا أكاد أجمع ذهني وأقبل على أوراقي حتى يفتح فمه ويلقي الجوهرة: "كيف الصحة؟ " ... "الله يحفظكم، الحمد لله. بس الشغل كثير، كل يوم نحو أربعين دعوى كما ترى، فأنا آتي باكراً لأدققها". وأقول في نفسي إنه لو كان حيواناً لفهم الآن. وأرجع لعملي مطمئناً، فلا تمضي مدة حتى يلقي جوهرة أخرى: "قضايا الطلاق كثيرة مو هيك؟ " (?)، فأجيب بما تيسر، ويسكت. فأعود إلى عملي، فلا أكاد أستغرق فيه حتى ينطق المحترم فيقول: "يمكن القضاء مزعج؟ "، فأنفزرُ (?) وأنفجر وأنسى كل آداب الاجتماع وأصرخ فيه: "بل أنت والله المزعج، مانك شايف شغل جاي تتسلى على حسابي؟! ". ويذهب يحدّث الناس بأني غليظ شرس، مغرور بالوظيفة، قليل التهذيب. ويشيع فيّ مقالة السوء.
فماذا أصنع أيها القارئ الكريم؟
وأكون ماشياً في الطريق مستعجلاً مسرعاً إلى موعد لا بدّ منه وقد قدّرت أن أصل على الدقيقة، فيطلع عليّ غليظ كأنه مارد