إن قلّ مرتبك وارضَ فإن الرضا هو السعادة، يفتش عنها الناس ويبحث عنها الفلاسفة ويهيم بها الأدباء، وهي تحت أيديهم، كالذي يفتش عن نظّاراته في كل مكان ويسأل عنها في الدار كل إنسان، والنظارات على عينيه!
السعادة بالرضا والإيمان.
* * *
واعلم -بعدُ- أن كل حال إلى زوال، فلا يفرحْ غني حتى يطغى ويبطر ولا ييأسْ فقير حتى يعصي ويكفر، فإنه لا فقر يدوم ولا يدوم غنى، وكم من رجال نشؤوا على فرش الحرير وشربوا بكؤوس الذهب، وورثوا كنوز المال، وأذلوا أعناق الرجال وتعبّدوا الأحرار، فما ماتوا حتى اشتهوا فراشاً من صوف يقي الجنب عَضَّ الأرض ورغيفاً من خبز يحمي البطن من قرص الجوع. وآخرون قاسوا المِحَن والبلايا وذاقوا الألم والحرمان وطووا الليالي بلا طعام، فما ماتوا حتى ازدحمت عليهم النعم وتكاثرت الخيرات، وصاروا من سُراة الناس. وهل في الدنيا غني لم يكن -يوماً- أو لم يكن أبوه أو جدّه فقيراً؟ وكم في الدنيا من فقير صار أو صار ولده أو حفيده ربّ الملايين!
فلا ييأس أحد؛ فربما صار ابنُ فرّاش المحكمة رئيسَها وصار ابنُ الرئيس فرّاشها، وغدا ولد صاحب الأرض فلاحاً يشتغل بطعام يومه. وإنما هي الأيام يداولها الله بين الناس، ككرة الملعب: ما تكون بيدك إلاّ ريثما تنتقل إلى غيرك. والعمر كله ماضٍ، فهل يبقى لك المال إن ذهبت الحياة؟