إنما يَفْضُلونني بالمال، وأنا لا أطمع في أموالهم ولا أرضى أن آخذ منهم. وأنا إن أردت القناعة والرضا وجدت من المال ما يكفيني، وإن لم أقنع ولم أرضَ لم تكفني أموال الدنيا.
وما يصنع بالمال مَن يدخل عليه في شهره العشرة الآلاف، والعشرون والخمسون، من كبار التجّار والموسرين؟ أيمكن أن يلبس الرجل عشر بذلات معاً؟ أو أن يأكل عشرين رغيفاً في غداء؟ أو ينام على خمسة أسرة في وقت واحد؟ إلاّ أن يكون الإنفاق في السرف والترف والفسوق والعصيان، وهذا شيء ليس له حدود، ويمكن أن ينفق المرء في ليلة واحدة على الخمر والعهر ما جمعه في عشر سنين ... ويمكن أن يشعل دخينته (سيكارته) بورقة أمّ مئة ليرة، ولكن هذه كلها أفعال السفهاء المجانين، ونحن نتكلّم عن العقلاء من الناس.
ولقد بقيت مرة وحدي في المحكمة الشرعية القديمة، فقعدت أمام البحرة (?) وأردت أن تمتلئ حتى يفيض الماء من جوانبها، ففتحت «السّباع» كلها، فتدفق الماء ولكنها لم تمتلئ، فعجبت وقمت أفتش فوجدت «الهارب» الكبير مفتوحاً، فسددته ففاض الماء.
فعلمت أنه ليس العبرة بفتح «السبع» ولكن بسدّ «الهارب»؛ العبرة بتقليل المصروف لا بتكثير الوارد. فلا تَاسَ على نفسك