المنصب، بل غضباً لحريتي وكرامتي، وأنَفَة من أن يتحكم فيّ إنسان مثلي ويُملّك التصرف في عملي وفي رزقي. وأظلم عليّ الليل وأنا مستغرق ذاهل، أداري من نفسي غضبة أخشى أن تتفجّر تفجّر القنبلة ... وكان في غرفتي شعبة من الرادّ، فسمعت القارئ يقرأ حتى بلغ قوله تعالى: {نَحنُ قَسَمْنا بينهم معيشتَهم في الحياةِ الدُّنيا}، فتنبّهت إليها كأني ما سمعتها قطّ، وكأنما نزل بها جبريل الساعة على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وأحسست أنها جاءت برداً على كبدي وسلاماً، فسكت عني الغضب وامَّحَتْ عن عيني الغشاوة، ورأيت حقيقة القدر رأي العين. وقلت: يا رب، إن كنت أنت الذي قدّر وقسم وأنت الذي أعطى ومنع فأنا راضٍ بما قسمت لي.
* * *
أسمعت؟ أسمعت يا أخي؟
هو الذي قسّم المعاش، هو الذي قدّر الأرزاق، وما يملك هؤلاء الناس عطاء ولا منعاً. ما الناس إلاّ وسائط، فهل تغضب على محاسب الدائرة في أول الشهر إذا أعطاك مئة وأعطى الرئيس مئتين؟ وما ذنبه حتى تغضب عليه؟ أهو الذي وضع المِلاكات وحدّد الرواتب، أم هو منفذ لما قُرّر من قبل وأُمضي؟
هذا هو مَثَلك ومثل من تظن أنهم أعطوك أو منعوك وأنهم قدّموا غيرك وأخّروك؛ إن هم إلاّ محاسِبون، أما الذي قرر جداول الأرزاق من الأزل وحدّد مقاديرها فهو الله رب العالمين، فما كان لك فسوف يأتيك على ضعفك، وما كان لغيرك لن تناله بقوتك. أتستطيع أن تنال ليرة من راتب زميلك مهما كنت قوياً