الحبيب والرصاص يحصد حصداً قومي، فأحس في أعصابي فوق الحمى حميات، ولكني لا أقدر على شيء.
ولم أقرأ في هذه البرهة الطويلة مجلة ولا أبصرت «رسالة»، ولا رأيت ممن وفد على دمشق من الإخوان الكرام أحداً، ولا حضرت (وقد دُعيت) لتكريمهم احتفالاً؛ قد قيدني المرض بفراشي فلا أستطيع له براحاً ... وهذي أول ساعة أقدر فيها على القلم وأتمكن من زمامه، رأيت فرضاً عليّ فيها فرض الاعتراف والوفاء أن أكتب للرسالة (?).
جلست لأكتب في محنة دمشق، فرأيتها قد سارت بحديثها الركبان وامتلأت بها الآذان ومشت على كل لسان، فكدت أدع القلم، ثم قلت لنفسي: لئن تأخرت اليوم فلقد كنت يوماً سَبّاقاً، يوم هوت تحت السنابك باريس وقام كتّابٌ (منّا!) يبكونها، وما يبكون إلا لَذّات لهم فيها مُحرَّمة فقدوها ومَفَاسق خسروها. وكنا وكان سيف فرنسا العادية مسلولاً علينا، فكتبت في الرسالة (368) في 23 تموز (يوليو) 1940 كلمة قصيرة ولكنها كسِنان الرمح لا يضره مع مضائه قِصَره، صغيرة ولكنها كالقنبلة إذا تفجرت دمرت. ولقد شرّقت شظاياها وغرّبت فأصابت -فيمن أصابت- مستشار المعارف الفرنسي، حملها إليه بعض (الأذناب ...) ممن تبدل اليوم لأن الدهر تبدّلَ ودار؛ فدعاني وكان بيني وبينه كلام لو أنا نشرته خفت ألاّ يصدقه من لا يعرف قائله من القراء. لا أقول ذلك فخراً ولكن ليعلم الناس أنّا -بني الشام- ما ذللنا قط ولا