جهة من حولنا هذه المصائب الثقال، والضجة المروعة، وفريد الأطرش، وهذا الآخر عبد الحليم حافظ؟!
فإذا سكت الرادّ في الساعة الثانية عشرة وحاولت أن تنام لم تمر نصف ساعة حتى يجيء «أبو طبلة»، هذه الآفة التي لا دافع لها، المسحّر الذي ضاقت به الصناعات والمهن فلم يجد له صنعة إلا أن يحمل طبلاً ثم يأتي نصف الليل ليقرع به رأسك ويوقظك من منامك. وأعجب العجب أن يعترف المجتمع بهذه الصنعة ويعدّها من الصناعات المقررة، ويوجب عليك أن تقول له: «أشكرك» وأن تدفع له في آخر الشهر أجرته على أنه قد حطم أعصابك وكسر دماغك!
وأنا أفهم أن يكون للمسحّر موضع في الماضي، أما اليوم -وفي البلد إذاعة، وفي كل بيت ساعة، وفي كل حي منارة عليها مؤذّن، وفي البلد مدفع يوقظ صوتُه أهلَ المقابر- فليس للمسحّر موضع فينا.
فإذا انقضى السحور وأردت أن تنام عادت أختنا الإذاعة إلى «وراك وراك» و «يا بيّاع الورد»، وعاد الجيران إلى تطبيق الجو بهذه الأصوات، وجاء بيّاع الحليب وبيّاع الفول ومصلح البوابير و «الذي عنده خزانات للبيع» و «الذي عنده كنبات للبيع» ... وزلزلت الأرض بأبواق السيارات وصراخ الأولاد!
فإن هربت إلى المسجد الأموي لتأخذ منه موعظة أو تسمع درساً رأيت النائمين مصفوفين بالطول وبالعرض، يشخرون ويتنفّسون من كل منفذ ... وحلقات المتحدثين يضحكون