وكنا خمسة في السيارة: الأستاذ التنوخي، والأستاذ الشيخ بهجة البيطار، والأستاذ الشيخ بهجة الأثري، والشيخ ياسين الرواف، معتمد المملكة السعودية في دمشق سابقاً، وأنا.
خرجنا من دمشق مع الغروب. وكان اليوم جمعة، وكانت ليلة قمراء، فسالت الطرق بالدمشقيين -على عادتهم في مثل هذه الليالي- فامتلأت جوانب بردى، والمرجة الخضراء، والربوة، ووادي الشاذروان (أجمل أودية الدنيا وأحلاها) بخير الفتيان وأجمل الفتيات وأحلى الأطفال؛ فلم يكن أمتع للعين ولا أشهى للقلب من ذلك المشهد.
فسرنا في هذا العالم الساحر مترفّقين متمهلين، لأننا لا نمشي في طريق وإنما نمشي في بحر من العيون والقلوب والمفاتن جمع كل جميل بارع أخّاذ، حتى بلغنا دمّر:
والحور في دمّر أو حول هامتها ... حورٌ كَوَاشفُ عن ساق وولدان (?)
فوقفنا نمتع الأنظار بحَوْرِها وحُورِها وشموسها وبدورها، وأنت مهما عرفت دمشق لا تزال ترى فيها أبداً جمالاً تجهله ولا تعرفه، ففي كل يوم جمال جديد وفي كل مكان فتنة جديدة؛ فلا تدري أين تقف وماذا تنظر وأياً تفضل: أوادي الشاذروان، أم جنائن الغوطة، أم جبال بلودان، أم عين الخضراء، أم سهول الزبداني، أم العيون التي لا يحصيها عدد؟