أن تزيد قائمة المغترين مئة اسم أو مئتين) ولكني أهنئهم بأنهم لا يزالون تلاميذ، لا يعرفون -بعدُ- ما هو عناء الفحص. والتلميذ يوم الفحص يحسب أنه وحده الخائف الحذر، في حين أن هؤلاء التلاميذ الكبار، هؤلاء الفاحصين، أشدّ منه خوفاً وحذراً. هو يخاف من السّقوط، والسقوط أمر تافه ما دام التلميذ قد حفظ دروسه وقام بالواجب عليه، وهم يخافون من الظلم، والظلم أمر خطير لا يستطيع الرجل الشريف أن يُقدِم عليه.
والتلميذ يكتب ورقة واحدة، يصبّ فيها ما شاء من هراء وهَذَيان، ثم يذهب إلى بيته فيؤمن ويؤمن أبوه وأمه أنه قد أجاد وأحسن وبذّ الكاتبين، وهم مجبورون على قراءة هذه الأوراق كلها وحشو أدمغتهم بهذا الهراء وهذا الهذيان وفهمه وإدراكه، وتقديره بعلامة من علامات الامتحان. وهو إذا سقط يزعم ويزعم أهله أنه قد ظُلم وأن الفاحصين قد تحاملوا عليه وانتقموا منه، وهم إذا أسقطوا تلميذاً سقطت عليهم اللعنات والشتائم ورُفعت أكفّ العجائز في ظلمة الليل تدعو الله أن ينتقم "ممن كان سبب سقوطك يا ولدي، الله يخرب بيته، الله يعدمه أولاده، الله يبعث له العمى والكساح"! أي أن جزاء هذا الفاحص المسكين، الذي أجهد نفسه وأتعب ضميره وأضاع وقته، أن يخرب بيته فيبقى في الشارع، ويموت أولاده فيغدو منفرداً ثاكلاً حزيناً، ويذهب بصره فلا يعرف عدواً من صديق ولا يعرف أين الطريق، ويصبح مُقعَداً لا يقدر على حِراك ...
والغريب أن هذا السخف لم يختص به العجائز، بل تجاوزهم إلى مدير مدرسة بيني وبينه بعض الجفاء وتلاميذه مقصرون جداً