النفس- تُضعّف الحس وتبطل الشعور. إن الموسر الذي يركب الكاديلاك كل يوم، وينام على السرير الفخم، ويأكل على المائدة الحافلة، لا يحسّ لذلك كله بعُشر اللذة التي يحس بها الفقير إذا جرّبه مرة. بل إن الغني ليمل الترف ويشتهي لوناً آخر من ألوان الحياة. خبّرني الشيخ عبد الله أبو الشامات أن أحمد باشا الشمعة (الذي كان وجه دمشق في أيامه) جاءه مرة واشتهى عليه أكلة فول مُدمّس مع البصل على أرض الحديقة. وأنت تعرف مائدة أحمد باشا الشمعة. بل تعالَ قل لي أنت: أما مللت وضع غرفة الاستقبال في بيتك وغرفة النوم؟ أما تشعر بلذة إذا بدلت غرفة بغرفة، وأنزلت هذه اللوحة التي علقتها منذ زواجك من قبل ثلاثين سنة وجئت بغيرها؟ إنها قد تكون لوحة فنية جميلة ولكن ثق أنه لم يبقَ من يشعر بجمالها، لا أنت ولا ضيوفك الذين شبعوا منها وعافوها. أما تحس بحياة جديدة إذا تركت هذه الدار التي تسكنها وانتقلت إلى حيّ جديد تشغل نفسك مدة بدراسة أحواله ومعرفة أهله وكشف أسراره وخفاياه؟
إن التبديلَ والتجديدَ حياةٌ، والجمودَ والركودَ موتٌ. وإن علة الحياة الزوجية خاصة هي الاستمرار وفقد الجديد. وأنا أرى أن يأخذ الرجل الموسر أهله وأولاده ليلة أو ليلتين إلى الفندق يبيتون فيه إذا لم يستطع السفر بهم إلى بلد آخر، ليجد في التجدّد ما يبعث في نفسه وفي أنفسهم الشعور بالحياة، وليكون من ذلك مادة للحديث والتذكّر.
المهم هو التبديل، وإلا فلماذا نصطاف في الجبال؟ ما الاصطياف؟ إذا كان فعل ذلك الرجل في تبديل المساكن جنوناً