تمّحي عن وجهها الابتسامة العذبة، وكلما رأت منهن من قبيح تغاضت عنه واحتملته، حتى يقلن: "ما شاء الله، ما أشدّ تهذيبها وأكرم خلقها وأحلى حديثها"، وإن كانت مع زوجها لم تلقَه إلاّ بالتقطيب والعبوس وبوجه مقلوب كأنه وجه عجوز أكلت ليمونة بقشرها!
ثم إن أكثر النساء إذا خرجنَ لزيارة أو جولة، أو تهيأنَ لمقابلة قريبة أو صديقة، استعدت إحداهنّ استعداد عروس لعرسها، فتزينت وتنظفت ولبست أجمل أثوابها وتطيبت بأعطر طيوبها، فإذا لم يكن إلاّ زوجها خرجت عليه من المطبخ منفوشة الشعر كالحة الوجه، تسبقها رائحة السمن والزيت والبصل والثوم!
مع أن حق الزوج على زوجته أكبر من حق الغريب. والعقل والدين يوجبان عليها أن تتزيّن (إن تزينت) له هو لا للناس، وأن تلقاه بأحسن أحوالها وتكلمه بأحلى لهجاتها، وأن تدّخِر له ابتسامتها ولطفها وإيناسها. والعقل والمنطق يوجبان عليه هو (إن تكرّم) أن يكون كرمه لأهله لا للناس، وإن عمل أن يعمل لهم، وأن يخدمهم لا أن يدعهم ويخدم الناس، وإن كان خفيف الروح حاضر النكتة سريع البادرة بالخير، أن يكون لأهله الحظ الأوفى من خفته ونكتته، لا أن يخص بذلك الناس وحدهم.
فكيف انقلبت الحال، فصار القريب هو المستحق للشرور كلها وصار الغريب هو الذي ينال المحاسن كلها؟
أنا أعرف السبب أيها السامعون والسامعات.