أوربا وهذه عاداتها؟
قال: فما ذنب العلماء؟
-6 -
وكانوا زاهدين في الدنيا؛ لا زهد المغفلين المجاذيب الذين يعيشون في الزوايا المظلمة مثل الخفافيش، يفزعون من ضوء النهار، بل الزهد الحقيقي، زهد الصحابة والتابعين، زهد من يعرف الدنيا ويسعى لها سعيها ولكن الدنيا لا تتملك لبّه ولا يسكن حبُّها قلبَه، ومن يعمل للإصلاح ويشتغل للعلم، ويكون له في نهضة أمته أبرز الأثر، ويكون أكبر همّه رضا الله والنجاة في الآخرة، لا رضا الناس ولا متع الدنيا. ومن زهد في الدنيا لم يعظم أهلها ولم يخضع لهم، وجاهرهم بالحق وبيّنَ لهم حكم الله، وقام فيهم مقام الدليل الهادي لا السائل الطامع.
دخل اللورد كرومر جبار مصر وحاكمها يومئذ على الشيخ الأنبابي شيخ الجامع الأزهر، فلم يقم له الشيخ وردّ عليه السلام ومدّ يده فصافحه وهو قاعد، فاستعظم ذلك اللورد، وقال له: ألست تقوم للخديوي؟ قال: نعم. قال: فَلِمَ لَمْ تَقُمْ لي؟ قال: إن الخديوي هو وليّ الأمر منا، واللورد ليس منّا، والله يقول: {أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرّسولَ وأولي الأمْرِ مِنكم}.
وهذه هي عزة الإيمان، وهذه هي الوطنية الخالصة. وما كان من اللورد إلاّ أن أكبر فيه هذه الصراحة وصار يعظّمه ويجلّه أكبر الإعظام والإجلال.