فكتبت إليه أقول له: أنا أعرف أنك متألم مصاب، ولكن ماذا أصنع لك الآن؟ وهلاّ كتبت إليّ وفي الصدر ذَماء (?) يتردد؟ ماذا أعمل الآن بعدما شبّت النار في الدار، وطغى السيل في الليل، واحترق ما احترق أو أودى به الغرق؟ ماذا يصنع الطبيب إن دُعي بعدما مات المريض أو كاد؟ هلاّ دعوتَه والمرض في أوله والأمل في الشفاء قوي؟ لا يا أخي؛ لست أملك لك إلا العزاء وأن أسأل الله لك الصبر على البلاء.
على أني إن عجزت عن إسعافك فلست أعجز عن إسعاف غيرك ممّن لم تؤل به -بعد- الحال إلى هذا المآل. ولولا الحياء من أن أكون مع الدهر عليك وأن أزيدك ألماً على ألمك لقلت لك إن الأمر منك أنت، منكَ يا أيها الأب ومنكِ يا أيتها الأم، وإنّ أولى الناس بما سقتَ من اللعنات (لو كان يجوز اللعن) أنتما الاثنان.
لو كنت تشرف على بيتك وبنتك، لا يلهيك عنهما العمل ولا اللهو والكسل، ولا السهرات والقهوات، ولو كنتِ أنتِ تشرفين على بيتك وبنتك، لا تشغلك عنهما الخيّاطات والمزينات، والاستقبالات والزيارات، ولو لم تدعي البنت للخادمات والمربيات، لما كان الذي كان.
على أني لا أبرّئ المدرسة ولا أنزّه المجتمع؛ فالأب مسؤول، والمعلم مسؤول، والصحفي مسؤول، ومَن بيده الأمر مسؤول. كلهم مسؤول، ولعل آخرهم سؤالاً وأقلهم تبعة البنت