مع الناس (صفحة 173)

صندوقاً وتبقى اليوم كله على أرصفة الشوارع، ومنهن من تحمل في يدها كتابها تستعد بمطالعته لامتحانها، فإذا وقف عليها رجل مد حذاءه إلى وجهها فانحنت عليه واشتغلت به! هذه هي منزلة المرأة في ديار القوم، على حين أن المرأة الشرقية تبقى دائماً في بيتها، يكد الرجل ويشقى ليطعمها ويكسوها.

وإذا بلغت المرأة عندنا سن الزواج طلبها الرجل وتوسل إليها بالعطية الكبيرة: المهر، يدفعه هو إليها فيكون حقاً لها وحدها لا لأبيها ولا أخيها، وليس لأحد التصرف في شيء منه إلاّ بإذنها. والمرأة الغربية تركض هي وراء الرجل، فتسقط خمسين سقطة قبل أن تصل إليه، وربما سقطت سقطة كان فيها ذهابها وهلاكها. ثم إنْ وجدته لم يتزوجها حتى تتوسل هي إليه بالمبلغ الكبير، حتى تدفع هي له المهر، ثم يكون له الإشراف على مالها يشاركها في التصرف فيه. والمرأة عندنا لها وحدها حق التصرف في مالها.

تقولين: كان هذا من زمان، وقد كسدت عندنا سوق الزواج وكثرت عندنا العوانس. وهذا صحيح، ولكن لِمَ كان؟

كان لأنّا قلدنا الإفرنج فيما يشكون هم منه ويتمنّون البعد عنه. كان لأن المستعمرين وضعوا في نفوسنا -خلال القرن الماضي الذي كنا فيه نائمين وكنا غافلين- أنهم أرقى منا رقياً وأكثر تقدماً، وأن ما يفعلونه هو الصواب، فقلدناهم في كل شيء.

ولكن هل يحتمل طبعنا العربي هذا التقليد كله؟

كان العرب أغْيرَ الناس على الأعراض، حتى إنهم وأدوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015