وهو داخل إلى الدار بنتاً خارجة منها في عينيها أثر الدمع، فسأل أن ما لها؟ قالوا له: هذه بنتنا، ولكنها انفصلت عنا لتعيش وحدها. قال: إنها تبكي. قالوا: لقد جاءت تستأجر غرفة عندنا فلم نؤجرها. قال: ولِمَه؟ قالوا: لأنها دفعت أجرة لها عشرين فرنكاً، وغيرها يدفع ثلاثين!
وإذا شككتِ في هذه القصة (ومن حقك الشك فيها؛ لأنها -بالنسبة إليك ولكل عربي- شيء يكاد يدخل في باب المستحيل)، إذا شككت فيها فاسألي الدكتور يؤكد لك أنه رآها وسمعها. ولقد قص علينا إخواننا الذين ذهبوا إلى أوربا وأميركا وخالطوا أهلها كثيراً من أمثالها.
لقد ابتُذِلت المرأة هناك وذلت حتى صارت تبذل ما نراه نحن أعزّ شيء عليها، وهو العرض، في سبيل ما نراه أهون شيء علينا، وهو الخبز!
أما قرأتِ ما كتبه توفيق الحكيم عن الفتاة التي فرضت نفسها عليه وساكنته في الدار وعاشرته معاشرة الأهل (?)، لا تريد من ذلك إلاّ أن تجد سقفاً يكنُّها ومائدة تشبعها، ثم كيف ملّها فطردها؟
إن الفاسق عندنا، الفاسق يا سيدتي، يتبع هو المرأة ويبذل لها الغالي والثمين، لأنه لا يجدها إلاّ بمشقة ولا يصل إليها إلاّ بنصب.