مع الناس (صفحة 170)

لا ولاية عليها في مالها لزوجها ولا لأبيها، وأنها إن كانت معسرة كُلِّف بنفقتها أبوها أو أخوها، فإن لم يكن لها أب أو أخ فأيُّ واحد من أقربائها الذين يرثونها ولو كان ابن عم عمها، وأن هذه النفقة تستمر إلى أن تتزوج أو يكون لها مال، وأنها إن تزوجت كلف زوجها بنفقتها ولو كانت تملك مليوناً وكان عاملاً لا يملك شيئاً ... إلى غير ذلك مما نعرفه نحن ويجهلونه هم عنا. فقامت سيدة أميركية من الأديبات المشهورات فقالت: "إذا كانت المرأة عندكم كما تقول فخذوني أعيش عندكم ستة أشهر ثم اقتلوني".

وعجب من مقالها وسأل عن حالها؛ فشرحت له حالها وحال البنات هناك، فإذا المرأة الأميركية تبدو حرة وهي مقيدة، وتُرى معززة وهي مهانة. إنهم يعظّمونها في التوافه ويحقرونها في جسيمات الأمور. يمسكون بيدها عند النزول من السيارة، ويقدمونها قبلهم عند الدخول للزيارة، وربما قاموا لها في الترام لتقعد أو فسحوا لها في الطريق لتمر، ولكنهم -في مقابلة ذلك- يسيئون إليها إساءات لا تحتمل.

إذا بلغت البنت هناك سن الرشد قبض أبوها يده عنها وسد باب داره في وجهها، وقال لها: اذهبي فتكسّبي وكلي، فلا شيء لك عندي بعد اليوم. فتذهب المسكينة تخوض غمرة الحياة وحدها، لا يبالون أعاشت بجدِّها أم بجسدها، ولا يسألون هل أكلت خبزها بيديها أم بثدييها. وليس هذا في أميركا وحدها، بل هو شأن القوم في ديارهم كلها. حدثنا أستاذنا الدكتور يحيى الشماع من ثلاث وثلاثين سنة (إثر عودته من دراسته في باريز) أنه ذهب إلى منزل أسرة دلوه عليها ليستأجر غرفة لديها، فقابل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015