نُشرت سنة 1959
أكتب هذه الكلمات في فندق كبير في مصر لا أحب أن أسميه، لأني لا أريد الحديث عنه بالذات إنما أريد الكلام عن الفنادق كلها.
يمر الناس عليه فيرون اسمه على بابه تضيء حروفه، ترقص عليها الأنوار، ويلمحون أبهاءه الواسعة وأضواءه الظاهرة، ويرون خدمه بباهي الثياب وفخم الهيئات، فيحسبون أن فيه النعيم المقيم، ويتمنون أن ينزلوا فيه ليلة في العمر ليذوقوا لذة العيش ويعرفوا ما بهجة الحياة، وأنا النازل فيه لا أتمنى إلاّ أن أخرج منه وأعود إلى بيتي.
إن الإنسان لا يعرف قيمة النعم إلاّ إذا فقدها. ولقد عرفت الآن ما قيمة حياة الأسرة؛ إن قعدة بلدية على «طرّاحتي» وأولادي أمامي وكتابي في يدي أمتع من كل ما في الدنيا من فنادق.
وما حياة الفنادق؟
لقد عشت فيها مرة تسعة أشهر تِباعاً، كنت أنزل خلالها في أفخمها وأعظمها، ولقد خبرتها وعرفتها فلذلك كرهتها وعفتها.