فإذا كنتم تحسبون أن إطلاق الغرائز من قيد الدين والخلق، والعورات من أسر الحجاب والستر، من ضرورات التقدم ولوازم الحضارة، وتركتم كل إنسان وشهوته وهواه، فإنكم لا تحمدون مغبّة ما تفعلون، وإنكم ستندمون (ولاتَ ساعة مَنْدَم) إذا ادْلَهمّت المصائب غداً وتتالت الأحداث، وتلفتُّم تفتشون عن حُماة الوطن وذادة الحمى فلم تجدوا إلاّ شباباً رخواً ضعيفاً لا يصلح إلاّ للرقص والغناء والحبّ.
فاللهَ اللهَ، والأمةَ والمستقبلَ! إننا خرجنا من هذا الجهاد بعزائم تزيح الراسيات وهمم تحمل الجبال، فلا تضيّعوا هذه العزائم، لا تُذهبوا هذه الهمم، ولا تناموا عن حماية استقلالكم، فمن نام عن غنمه أكلتها الذئاب!
إن هذا الجلاء نعمة من نعم الله، فتلقُّوها بالشكر والطاعة واحفظوها بالجدّ والأخلاق، فبالشكر تدوم النعم، وبالإخلاص تبقى الأمم، وبالمعاصي تبيد وتهلك. إن أجدادنا كانوا يحتفلون بالنصر بحمد الله وطاعته فيقودهم الاحتفال إلى نصر جديد، وكذلك تفعل الأمم الحيّة اليوم. أما سمعتم بحفلات تتويج ملك الإنكليز؟ لقد كان نصفها في الكنيسة، فلماذا يكون احتفالنا بالجلاء اختلاطاً وتكشفاً وغناء ورقصاً واستهتاراً، كأننا لم ينزل علينا كتابٌ ولم يُبعث فينا نبيّ ولم يكمل لنا دِين؟
إني أخاف -والله- أن يكون الأجنبي قد أجلى جيوشه عنا وترك فينا قنابل تتفجّر كل يوم، فتدمّر علينا أخلاقنا وأوطاننا واستقلالنا! إن كل عورة مكشوفة وفسوق ظاهر قنبلة أشدّ فتكاً من قنابل البارود، ولا يخفى ضررها إلاّ على أحمق.