منك قال لك: ارجع غداً. فترجع غداً، فيرجئك إلى ما بعد غد ... لا أعني موظفاً بعينه ولا عهداً بذاته، بل أصف داءً قديماً سرى فينا واستشرى، ودخل وتغلغل.
ويكون لك موعد مع الشيخ، فيجيئك بعد نصف ساعة ويعتذر لك، فيكون لاعتذاره متن وشرح وحاشية، فيضيع عليك في محاضرة الاعتذار نصف ساعة أخرى. وإن دعوته الساعة الثانية جاء في الثالثة. وإن كان مدرّساً لم يأت درسه إلا متأخراً.
والطبيب يعلن أن العيادة في الساعة الثامنة ولا يخرج من داره إلى العاشرة، وتجيئه في الموعد فتجده قد وعد خمسة من المرضى مثل موعدك، واختلى بضيف يحدثه حديث السياسة والجو والكلام الفارغ وتركهم على مثل الجمر أو على رؤوس الإبر، ينتظرون فرج الله، حتى يملّوا فيلعنوا الساعة التي وقفوا فيها على باب الطبيب، ويذهبون يفضّلون آلام المرض على آلام الانتظار، ويؤثرون الموت العاجل المفاجئ على هذا الموت البطيء المضني.
أما الخياطون والخطاطون، والحذاؤون والبناؤون، وأرباب السيارات وعامة أصحاب الصناعات، فإني أشهد أنْ لا إله إلا الله وأنهم من أكذب خلق الله وأخلفهم لوعد! الكذب لهم دين، والخلف عادة، ولطالما لقيت منهم ولقوا مني. وما خطت قميصاً ولا حلة، ولا صنعت حذاء، ولا سافرت في سيارة عامة سفرة، ولا بعثت ثوباً إلى مصبغة لكيه أو غسله أو تنظيفه، إلا كووا أعصابي بفعلهم وشويتهم بلساني. وإن كان أكثرهم لا يبالي ولو