ومن شواهد أمانة محمد بن الأعرابي أن محمد بن حبيب سأله في مجلس واحد عن بضع عشرة مسألة من شعر الطِّرِمَّاح، فكان يقول: لا أدري، ولم أسمع، أفأحدس لك برأيي. (?)
فإذا كانت الأمانة في العلم منبع حياة الأمم، وأساس عظمتها -زيادة على أنها الخصلة التي تكسب صاحبها وقارًا وجلالة -كان حقًا علينا أن نربي نشأنا من طلاب العلم على الأمانة، وأن نتخذ كل وسيلة إلى أن نخرجهم أمناء فيما يروون أو يصفون، وذلك بأن نتحرى الأمانة فيما نروي، ولا نجيب سؤالهم إلا بما ندري أو بقولنا: لا ندري.
وإذا أوردنا رأيًا اسْتَبَنَّا بعدُ أنه مأخوذ من غير أصل قلنا لهم في صراحة: قد أخطأنا في الفهم، أو خرجنا على ما تقتضيه أصول العلم.
ثم علينا بعد أن نقوم بحق الأمانة -ملاحظةُ سير الطلاب، فإذا وقعوا فيما يدل على أنهم غافلون عن رفعة شأن الأمانة، وغزارة فوائدها -أرشدناهم إلى أن العلم بغير أمانة شر من الجهل، وأن ذكاءً لا يصاحبه صدق اللهجة نكبة في العقل.
قال شوقي:
ربوا على الإنصافِ فتيانَ الحمى ... تَجِدُوهم كَهْفَ الحقوقِ كهولا
فهو الذي يبني الطباعَ قويمةً ... وهو الذي يبني النفوس عدولًا