جـ - أن في ذلك رفعةً للقدر: فإذا توقف عما لا يعلمه، أو رجع إلى الحق بعد أن تبين له -كان ذلك دليلًا على ثقته وأمانته فيما يجزم به من المسائل.
كما أن من عرف منه الإقدامُ على الكلام فيما لا يعلم كان ذلك داعيًا للرَّيب في كل ما يتكلم به حتى في الأمور الواضحة.
وبتوقف المعلم عما لا يعلم يعلو قدره، وتزيد ثقة الناس به.
ولأنْ يقال: سُئِل فقال: لا أدري خير من أن يقال: سئل فقال خطلًا، أو روى ما لم يكن واقعًا.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما -: إذا أخطأ العالم (لا أدري) أصيبت مقاتله. (?)
ونظمها بعضهم بقوله:
ومن كان يهوى أن يُرَى متصدرًا ... ويكره (لا أدري) أصيبت مقاتله
قال ابن جماعة: اعلم أن قول المسؤول (لا أدري) لا يضع من قدره كما يظن بعض الجهلة، بل يرفعه؛ لأنه دليل عظيم على عظم محله، وقوة دينه، وتقوى ربه، وطهارة قلبه، وكمال معرفته، وحسن تثبته، وقد روينا ذلك عن جماعة من السلف.
وإنما يأنف من قول (لا أدري) من ضعفت ديانته، وقلَّت معرفته؛ لأنه يخاف سقوطه من أعين الحاضرين.
وهذه جهالة ورقة دين، وربما يشهر خطؤه بين الناس، فيقع فيما فرَّ منه، ويتصف عندهم بما احترز عنه. (?)