ومما يحقق ذلك قوله -تعالى -: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} (الجمعة: 5) .
فانظر كيف ذم الله الذين درسوا التوراة، وأتوا عليها تلاوةً، ثم أحجموا عن العمل بموجبها -في أسلوب بليغ؛ فضرب في وصفهم مَثَلَ الحمار يحمل الأسفار؛ من حيث خلوهم عن المزية، وعدم استحقاقهم للحاق بزمرة العلماء؛ إذ لا ميزة بين من يحمل كتب الحكمة على غاربه وبين من يضعها داخل صدره أو دماغه إذا صدَّ وجهه عن العمل بها.
وتنسحب هذه المذمة على كل من حفظ علمًا طاشت به أهواؤه عن اقتفائه بصورة من العمل تطابقه. (?)
قال الإلبيري في العلم:
وإن أوتيت فيه طويلَ باعٍ ... وقال الناس إنك قد سبقت
فلا تأمنْ سؤالَ الله عنه ... بتوبيخٍ علمت فهل عملتا
فرأسُ العلم تقوى الله حقًّا ... وليس بأن يقال: لقد رأستا
إذا ما لم يُفِدْك العلم خيرًا ... فخيرٌ منه أنْ لَوْ قَدْ جهلتا
وإن ألقاك فَهْمُكَ في مهاوٍ ... فليتك ثم ليتك ما فهمتا
قال الخطيب البغدادي: فإن العلم شجرة، والعمل ثمرة، وليس يعد عالمًا من لم يكن بعلمه عاملًا. (?)