ويقول أبو حيان فى سبب النزول: ولما ذكر من صفات القرآن الحكمة وأنه هدى ورحمة، وأن متتبعه فائز، ذكر حال من يطلب من بدل الحكمة باللهو، وذكر مبالغته فى ارتكابه حتى جعله مشتريًا له، وباذلًا فيه رأس عقله، وذكر علته وأنه الإضلال عن طريق اللَّه، وقد نزلت هذه الآية فى النضر بن الحارث كان يتجر إلى فارس، ويشترى كتب الأعاجم، فيحدث قريشًا بحديث رستم وأسفنديار، ويقول: أنا أحسن حديثًا.
وقيل نزلت فى ابن أخطل، اشترى جارية تغنى بالسب، وبهذا فسر لهو الحديث بالمعازف والغناء.
يقول أبو حيان: والظاهر أن الشراء هنا مجاز عن اختيار الشئ وصرف عقله بكليته إليه.
ويقول ابن عطية: والذى يترجح أن الآية نزلت فى لهو الحديث مضافًا إلى الكفر، فلذلك اشتدت ألفاظ الآية بقوله: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} إلى آخره (?).
وقال صاحب التحرير: "ويظهر لى أنه أراد بلهو الحديث، ما كان يظهرونه من الأحاديث فى تقوية دينهم، والأمر بالدوام عليه، وتفسير صفة الرسول، وأن التوراة تدل على أنه من ولد إسحاق، يقصدون صد أتباعهم عن الإيمان، وأطلق اسم الشراء لكونهم يأخذون على ذلك الرشا والجعائل من ملوكهم، ويؤيده {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أى: عن دينه" (?).
ويذكر الإمام الرازى فى تفسيره عن قوله -تعالى-: {لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}: إن اللهو قد يقصد به الإحماض. فقد نقل عن ابن عباس أنه قال: أحمضوا. ونقل عن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "روحوا القلوب ساعة فساعة" (?) ويشهد له ما فى مسلم: يا حنظلة ساعة وساعة. هذا من ناحية.