كما أنه يلزم على القول بمنع بيع آلات اللهو والغناء أن يمنع الناس من استعمال أجهزة الراديو والتليفزيون وغير ذلك مما هو شبيه بها. وذلك لأنها تعتبر من آلات اللهو فى كثير من الأحيان، بل ويظهر منها فى بعض الأحوال ما هو محرم بلا جدال، ومع ذلك لا أظن أن أحدًا يقول إن هذه الأجهزة -التى أصبحت من ضرورات الحياة فى مجال العلم، والتثقيف، والترفيه، وعونًا لنا على مشاق الحياة وقسوتها يحرم استعمالها، وبالتالى يحرم بيعها وشراؤها، لأنها آلات لهو أو غناء، ولا ينكر أحد أيضًا أن مثل هذه الآلات هى آلات لهو فى بعض- بل فى غالب الأحوال، ومع ذلك لا يلزم من كونها آلة من آلات وسائل اللهو أن يحرم استعمالها أو بيعها وشراؤها؛ لأنه يمكن استخدامها فى الحدود التى أحلها اللَّه لنا، وتتحقق معها المصلحة المشروعة.
ومع ذلك فإن الأمانة العلمية تقتضى أن نقرر بأنه قد ظهر لنا من خلال البحث حديث صحيح يحرم بيع المغنيات، ولم أجد من يتكلم فيه، وهو ما روى عن أبى أمامة عن ابن ماجه بلفظ (?) "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع المغنيات، وعن شرائهن وكسبهن، وعن أكل أثمانهن".
ومع ذلك فإنه يمكن أن نقول لا تقويض ولا رجوع عما اخترنا، فكل ما يمكن أن يقال هنا إن هذا الدليل خاص وما نحن فيه عام، وذلك على فرض اعتبارها (المغنية) آلة من آلات اللهو والغناء؛ لأنه يمكن الجمع بين هذا الحديث وبين الأحاديث الأخرى الصحيحة المبيحة للغناء، وآلاته مثل الدف -والدف من آلات اللهو- بأن النهى يقتصر على ما ورد النص بخصوصه.
فلعل النص قد رأى أن مثل هذا فى الغالب مجاله الإحتراف أو ما مآله إليه، وفى ذلك عون على الفسق والفجور.
ولعل ما يقوى وجهة نظرنا ما ورد فى كتب التفسير عند قوله -تعالى-:
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} وهى الآية نفسها التى استدل بها المانعون على المنع.
فقد ذكر الطبرى أن البعض ينزل الشراء على حقيقة البيع، والشراء المعروف