فمن سمع هذه الأشياء من غير حضور شئ من المحرمات، وهو حافظ قلبه من الخواطر الرديئة، والشهوات المحرمة فلا يحرم عليه السماع المذكور ما دام كذلك، أما إذا عقل وعزم قلبه على شهواته المحرمة حرم عليه السماع حينئذ.
فأمر السماع دائر على مقاصد القلب المحرمة والمحللة. فمتى مال القلب إلى الحرام مال السماع فى حقه هو فقط إلى الحرام، ولا يجوز له أن يحكم على غيره بما فيه. ومتى مال القلب عن الحرام إلى المباح مال فى حقه فقط لا فى حق سواه (?).
وقد رجع الإمام الشافعى -رضى اللَّه عنه- عن قوله فى تحريم الغناء والسماع، وما روى عنه بالتحريم فقد رجع عنه بعد ذلك (?).
يقول الإمام الغزالى: "وأما الشافعى -رضى اللَّه عنه- فليس تحريم الغناء من مذهبه أصلًا. وقد نصر الشافعى وقال فى الرجل يتخذه صناعة: لا تجوز شهادته، وذلك لأنه من اللهو المكروه، الذى يشبه الباطل. ومن اتخذه صنعة كان منسوبًا إلى السفاهة، وسقوط المروءة، وإن لم يكن محرمًا بين التحريم، فإن كان لا ينسب نفسه إلى الغناء ولا يؤتى لذلك، ولا يؤتى لأجله، وإنما يعرف بأنه قد يطرب فى الحال فيترنم بها -لم يسقط هذا مروءته، ولم يبطل شهادته، واستدل بحديث الجاريتين اللتين كانتا تغنيان فى بيت عائشة -رضى اللَّه عنها- (?).
وقال يونس بن عبد الأعلى: سألت الشافعى -رضى اللَّه عنه- عن إباحة أهل المدينة السماع، فقال الشافعى: لا أعلم أحدًا من علماء الحجاز كره السماع، إلا ما كان منه فى الأوصاف، فأما الحداء، وذكر الأطلال، والمراح، وتحسين الصوت بألحان الأشعار - فمباح" (?).
وحيث قال الشافعى إنه لهو مكروه يشبه الباطل صحيح، ولكن اللهو من حيث إنه لهو ليس بحرام، فلعب الحبشة ورقصهم لهو. وقد كان -صلى اللَّه عليه وسلم- ينظر إليه ولا يكرهه. بل اللهو واللغو لا يؤاخذ اللَّه -تعالى- به إن عنى به أنه فعل ما لا فائدة فيه،