إذ باب الاحتمال متسع، وظاهر الكلام للتأويل معرض، وأفهام البشر مختلفة وآراؤهم متفرقة، والمرء مفتون بكلامه، ومغتبط بفهمه واستدلاله، والمغتر يعتقد الكمال لنفسه، فلو فُتِح هذا الباب، وسومح في نقل السنن منها لذوي الألباب على معنى ما يتفهم (?) لتغير المسموع، ولم يتحقق أصل المشروع، ولم يكن الآخر بالحكم على كلام الأول بأولى من كلام من بعده عليه؛ فيتعارض التأويل وتتهافت الأقاويل، وكفى حجة على دفع هذا الرأي الأفيل دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - بالنضرة لمن سمع قوله فأداه على حسب ما وعاه؛ ففيه حجة وكفاية تدفع رأي من رأى تبديل لفظ الرواية، بل نقلها على حسب ما سمعت هو الواجب، ثم تسليم التأويل لأهل الفهم والفقه لازم، فهم (?) أحق بالتأويل وأهدى إلى السبيل كما قال - عليه السلام -: "رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ" (?).

وفيه التنبيه على اختلاف منازل الناس في الفقه وتفاوتهم في الفهم؛ فتعيَّن الصواب من هذين الرأيين في رأي من رأى إقرار الرواية والسماع على ما روى وسَمِع؛ فإن رزق فضل فهمٍ وزيادة فقه نبه على ما ظهر له فيها من خللٍ من غير أن يغير فيها أو يبدل، فيجمع بين الأمرين، ويترك لمن جاء بعده النظر في اللفظتين، وهذِه كانت طريقة السلف فيما ظهر لهم من الخلل، كانوا يوردونه كما سمعوه، وينبهون عليه في حواشي كتبهم لمن جاء بعدهم، ومنهم من كان يُسقِط ما بان له (?) اختلاله مما لا شك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015