قد أحَاط الْعلم الْكَرِيم بِأَن التَّوَجُّه لم يكن فِي هَذِه السّنة من دمشق إِلَى حلب إِلَّا للْجِهَاد فِي سَبِيل الله عز وَجل فَإِنَّهُ غَايَة الأرب وَذَلِكَ بنية غزَاة أنطاكية فَإِن غزَاة الفرنج من جَانب دمشق إِنَّمَا تستقيم أَسبَابهَا وتستتب آرابها إِذا كَانَت عَسَاكِر مصر حَاضِرَة وَالْأَيْدِي بقوتها متظاهرة وَكَانَت العساكر المصرية قد طَالَتْ بِالشَّام إِقَامَتهَا وتوفرت فِي مُلَازمَة الْخدمَة فِي البيدارات عرامتها فَرَأى إراحتها واستجمامها وعادت إِلَى مصر لتستجد استعدادها واهتمامها وَوصل إِلَى حلب لقربها من الْبِلَاد الإسلامية لِتجمع العساكر مِنْهَا لغزاة أنطاكية وطمع أَيْضا فِي وُصُول الْعَسْكَر الْموصِلِي للإنجاد والمساعدة من سَائِر الْجِهَات على الْجِهَاد والاستظهار مِنْهَا بتوافر الأمداد فَإِن رسل المواصلة مَا زَالُوا مترددين وللخديعة بالْقَوْل والكتب مجددين وهم فِي أثْنَاء ذَلِك يراسلون الجوانب ويكاتبون الْأَجَانِب ويرتقبون النوائب وَتذهب بمعاودتهم الْأَوْقَات وتحدث دون قصدهم الحادثات فهادن أنطاكية هدنة آذَنت بغبطة الْإِسْلَام وخلص من طَال إساره من ذَوي الْإِقْدَام وَرِجَال الشَّام وَرَأى أَن المواصلة لَا ينزلون عَن المحتمين بِهِ وَلَا يرفعون أَيْديهم عَن المعتصمين بِسَبَبِهِ وَمِنْهُم صَاحب الجزيرة وَصَاحب إربل وَمن بتكريت والحديثة وَغَيرهَا وَأَنَّهُمْ لَا يقفون فِي الْمَكْر والخديعة عِنْد أمد وَأَن رسلهم متناوبة إِلَى كل أحد فَسَار على أَنه يلْحق الْبِلَاد قبل هجوم الْحر ويصل إِلَيْهَا فِي وَقت إِمْكَان الْحصْر فَمَا وصل إِلَيْهَا إِلَّا وَالْحر قد اشْتَدَّ استعاره والقيظ قد تأججت ناره وَرَأى الْوَقْت يعسر فِي تَقْدِيم آلَات الْحصار ويخشى عَلَيْهَا مَعَ نَار الهجير من قبُول النَّار فَإِنَّهُ