وَكَانَ بهاء الدّين أرغش من المماليك المستنجدية قد كبر عِنْده فَكَانَ يقربهُ الْخَلِيفَة ويتحدث مَعَه وَكَانَ الشرابي يحسده على ذَلِك وَلَا يحب قربه من الْخَلِيفَة
وَلما حسن الْموضع وراق للخليفة تقدم إِلَى مُحَمَّد بن يحيى بزرع الجزيرة الْمُجَاورَة لَهُ مبقلة وخضرا فَصَارَ ذَلِك الْموضع من أنزه الْمَوَاضِع وَصَارَ ذَلِك الخليفه الْموضع محروسا بعد أَن كَانَ طَرِيقا وَكَانَ أهل بَغْدَاد يخرجُون فِي كل يَوْم للفرجة مِمَّن جرت لَهُ عَادَة من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَكَانَ يخرج جمَاعَة من الْمُحدثين المتمسخرين إِلَى ذَلِك الْموضع والخليفة قَاعد فِي شباك يتفرج على الْعَوام
وَكَانَ لأهل بَغْدَاد عَادَة إِلَى الْيَوْم فُرْجَة بعد أُسْبُوع من الْعِيد يخرجُون إِلَى الفرجة والتنزه وَيَقُولُونَ ندفن الْعِيد وَيخرج رُؤَسَاء الْمحَال والمقدمون مِنْهُم ويحضرون شخصا يتمسخرون عَلَيْهِ ويكفنونه كالميت ويبكون عَلَيْهِ فَإِذا طابوا ولعبوا سَاعَة من يومهم ذَلِك قَامَ ذَلِك الشَّخْص الَّذِي كفن كَهَيئَةِ الْمَيِّت ويجعلونه مضحكة فَأمر الْخَلِيفَة أَن يدْفن الْعِيد عِنْد بُسْتَان ابْن يحيى وَأَشَارَ إِلَيْهِ بذلك
فَلَمَّا كَانَ بعد الْعِيد تقدم ابْن يحيى إِلَى رُؤَسَاء الْعَوام ومتقدمي المجال أَن يخرجُوا لدفن الْعِيد فِي ذَلِك الْموضع الْمَذْكُور فَخرج خلق لَا يُحْصى عَددهمْ إِلَّا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من الرِّجَال وَالنِّسَاء والأطفال والخليفة ينظر إِلَى الْعَوام وفعالهم فقد أَتَوا بشخص مِنْهُم كَهَيئَةِ الْمَيِّت قد كفن وَحمل فِيمَا بَينهم فقوم مِنْهُم يَبْكُونَ ويصرخون وَقوم يعزون وَقوم يندبون ويعملون عزية للعيد فَإِذا ضجروا نزل النَّاس قُدَّام بَين يَدي السّتْر فيلقون الْمَيِّت فِي المَاء